fbpx

“البريكس” والشرق الأوسط: فرص واسعة وتحديات متعددة

“البريكس” والشرق الأوسط: فرص واسعة وتحديات متعددة

تتمتع منطقة الشرق الأوسط بموقع استراتيجي هام وموارد طبيعية هائلة، وخاصة في قطاع الطاقة، مما جعلها مركزًا للاهتمام الاقتصادي والسياسي العالمي. ومع ذلك، ظلت هذه المنطقة لسنوات طويلة تحت تأثير هيمنة القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين تسيطران على الاستثمارات الرئيسية وتحدد سياسات اقتصادية تخدم مصالحهما في المقام الأول. في هذا السياق، ظهرت مجموعة البريكس كقوة اقتصادية صاعدة قد تقدم بديلاً عن الاعتماد على الغرب.

يمكن لدول البريكس أن تلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز الاستقلال الاقتصادي لدول الشرق الأوسط، وذلك من خلال تعزيز التعاون التجاري والاستثماري، وتنويع الشراكات الاقتصادية بعيدًا عن الهيمنة الغربية. عبر تقديم فرص استثمارية جديدة وشراكات في مجالات مثل الطاقة، البنية التحتية، والتكنولوجيا، يمكن للبريكس أن تساعد دول الشرق الأوسط على التحكم بشكل أفضل في مواردها وثرواتها، مما يقلل من النفوذ الغربي ويعزز النمو الاقتصادي المستدام في المنطقة.

نظرة على البريكس

البريكس (BRICS) البريكس هو تكتل اقتصادي وسياسي تأسس عن طريق خمس دول وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. تأسس هذا التجمع في 2009، ويهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الناشئة في مجالات الاقتصاد والسياسة، وكذلك تحقيق توازن أكبر في النظام الدولي الذي يهيمن عليه الغرب. في السنوات الأخيرة، أصبحت علاقة البريكس مع منطقة الشرق الأوسط موضوعًا ذا اهتمام متزايد نظرًا لأهمية المنطقة من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية

في عام 2023، شكّلت دول البريكس ما يقارب 31.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويتوقع أن يستمر هذا الرقم في النمو نتيجة النمو الاقتصادي السريع في الهند والصين، إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لأعضاء البريكس يقدر بحوالي 26 تريليون دولار، مما يجعلها واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم، ساهم البريكس بحوالي 20% من التجارة العالمية**. الصين والهند هما اللاعبان الرئيسيان في هذا المجال، حيث تعد الصين أكبر دولة مصدرة في العالم.

 يسعى أعضاء البريكس يسعون إلى زيادة التجارة بين بعضهم البعض باستخدام عملاتهم المحلية بدلاً من الدولار الأمريكي لتعزيز الاستقلالية الاقتصادية، مستغلين في ذلك أن دول التكتل تضم أكثر من 3.2 مليار نسمة، أي حوالي 40% من سكان العالم

تمتلك البريكس ذراع تمويلي يسمى البنك الجديد للتنمية (NDB)، حيث إنه تم إنشاء هذا البنك من قبل دول التكتل في عام 2014 برأسمال أولي يبلغ 100 مليار دولار لدعم المشاريع التنموية والبنية التحتية في الدول النامية. 

علاقة البريكس بالشرق الأوسط

 تسعى دول البريكس إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الشرق الأوسط، وخاصة في مجالات الطاقة، البنية التحتية، والزراعة. على سبيل المثال، تعتمد الصين والهند بشكل كبير على واردات النفط والغاز من دول الخليج العربي، خاصة السعودية والإمارات، تعتبر منطقة الشرق الأوسط من المناطق المهمة بالنسبة لأعضاء البريكس بسبب موقعها الجغرافي والموارد الطبيعية. ومن هذا المنطلق، تسعى دول البريكس إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة عبر دعم الحلول السياسية للصراعات الإقليمية.

في إطار مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، تسعى الصين، بصفتها العضو الأبرز في البريكس، إلى الاستثمار في مشروعات البنية التحتية في دول الشرق الأوسط، مثل الموانئ والطرق السريعة والسكك الحديدية.

يندرج تواصل الصين مع الشرق الأوسط في إطار استراتيجية أوسع لبناء التحالفات بين دول الجنوب العالمي، جزئيا من خلال مبادراتها للتنمية العالمية والأمن العالمي، والتي عبرت من خلالها عن رؤيتها لنظام اقتصادي وأمني دولي جديد. وحتى وقت قريب، كانت الصين تمارس نفوذا سياسيا محدودا في الشرق الأوسط، حيث كانت الولايات المتحدة تلوح في الأفق تقليديا. ولكن دخول القوى الرئيسية في الشرق الأوسط إلى مجموعة البريكس يشكل تطوراً مهماً بالنسبة للصين في سعيها إلى ترجمة نفوذها الاقتصادي إلى دعم سياسي إقليمي ملموس لطموحاتها العالمية.

التحديات

العلاقة بين البريكس والشرق الأوسط تثير قلق الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، التي تعتبر المنطقة جزءًا من مجال نفوذها التقليدي. ولذلك، قد تواجه دول البريكس تحديات في توسيع نفوذها في المنطقة، كما أن الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط تمثل تحديًا أمام أي تعاون اقتصادي طويل الأمد. على سبيل المثال، الصراع السوري والحرب في اليمن يؤثران على قدرة دول البريكس على إقامة شراكات مستقرة مع بعض الدول، حيث تختلف المصالح السياسية لدى بعض دول المنطقة بخصوص بعض من تلك القضايا الإقليمية.

ولا ننسى أنه لا تزال أوروبا والولايات المتحدة  تمثلان المصدر الرئيسي للاستثمار الأجنبي في المنطقة. كما أنهما الوجهتان الرئيسيتان للاستثمارات الخليجية في الخارج. الاستثمار الأجنبي المباشر لأوروبا في المملكة العربية السعودية أكبر بعشر مرات من الاستثمار الصيني. في القطاعات المتطورة، تواصل شركات التكنولوجيا الخليجية تفضيل الشراكات مع الشركات الغربية. كان القرار الذي اتخذته شركة الذكاء الاصطناعي الرائدة في الإمارات العربية المتحدة G42 في عام 2023 لإعطاء الأولوية لعلاقاتها مع شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى على الصين عندما اضطرت إلى اختيار أحد الجانبين علامة واضحة على ذلك. في مايو 2024، قال رئيس شركة الاستثمار السعودية Alat البالغة قيمتها 100 مليار دولار، والمتخصصة في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، في مقابلة أنه إذا طلبت الولايات المتحدة ذلك، فإن الصندوق سوف يسحب استثماراته من الصين. وعلى نحو مماثل، استثمرت صناديق الثروة السيادية لدول الخليج بشكل كبير في الشركات الأميركية والأوروبية أثناء جائحة كوفيد-19، مما يدل على مدى استمرار الدولار والاقتصادات الغربية في تمثيل الملاذ الآمن في أوقات الأزمات.

وفي الوقت نفسه، تباطأ الاقتصاد الصيني بشكل كبير. وقد أدى هذا، إلى جانب تحركات شي لتشديد السيطرة على رأس المال، وقمع شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة، وفرض عقوبات أميركية أكثر صرامة، إلى تبريد شهية الخليج للاستثمار في الصين. وعلى الرغم من المناقشات الحالية حول إزالة الدولرة، فإن دول الخليج ليس لديها أي مصلحة في التحول بشكل كبير إلى الرنمينبي وزيادة اعتمادها على ما لا يزال نظامًا ماليًا غامضًا.

فرص

يمكن لدول البريكس تعزيز علاقاتها مع الشرق الأوسط من خلال تكثيف التعاون في مجالات مثل التجارة والاستثمار والتكنولوجيا، يمكن للبريكس لعب دور في الجهود الدولية لحل النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط، وذلك من خلال الوساطة والدبلوماسية.

إن دول مجموعة البريكس تشترك أيضاً في مصلحة تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي والمعاملات الثلاثية لتعزيز وتأمين أسواق البيع والشراء، بما في ذلك حلول التمويل لتوفير رأس المال اللازم للبنية الأساسية والمساعدة في السيولة. ويتلخص هدف مجموعة البريكس في أن تصبح أكثر استقلالاً عن الدور المهيمن الذي كانت تلعبه الأسواق المالية وأسواق رأس المال الغربية في السابق. ومن المقرر أن يتم إنشاء تدفقات وأموال جديدة من خلال إنشاء عملة مجموعة البريكس كبديل للدولار، والتعامل بشكل أقوى مع التجارة بين دول مجموعة البريكس بعملاتها الخاصة، وتعزيز رأس مال بنك التنمية الجديد باعتباره بنك التنمية الخاص بمجموعة البريكس.

تشكل علاقة البريكس مع الشرق الأوسط فرصة مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي والجيوسياسي. في ظل التغيرات في النظام الدولي، قد يشهد المستقبل تعميقًا لهذه العلاقات خاصة مع زيادة الطلب على الطاقة والتكنولوجيا والاستثمارات في البنية التحتية. لكن التحديات السياسية والأمنية تظل قائمة، مما يتطلب نهجًا حذرًا من جميع الأطراف.

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.