تحتل مصر المرتبة 53 عالميًا في التعاون بين الجامعات والصناعة في مجال البحث والتطوير، ومع ذلك لا تزال الصناعات المحلية تفضل استيراد التقنيات الأجنبية الجاهزة. وعلى الرغم من زيادة الترتيب والإرث الأكاديمي الغني، لا تزال مصر تواجه عقبات في تحويل البحث إلى تطبيق في على أرض الواقع.
وفي الوقت نفسه، تتطور الجامعات في جميع أنحاء العالم لتصبح محركات للنمو الاقتصادي ومنصات إطلاق للشركات الناشئة والتعاون الصناعي. ومع استمرار مصر في أن تصبح نظامًا بيئيًا ناشئًا للابتكار، يجب عليها التنافس وسد هذه الفجوة.
لا ينبغي للجامعات أن تنتج الأبحاث والخريجين فحسب، بل يجب أن تنتج أيضًا الثروة الاقتصادية والابتكار.
هل يمكن للجامعات المصرية حل التحدي وتصبح محفزات للابتكار والتنمية الاقتصادية؟
النموذج المصري
وفقًا لتقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024، احتلت مصر المرتبة 54 من بين 132 دولة في المؤشر الفرعي للبحث والتطوير العالمي متفوقة على جيرانها مثل المغرب (المرتبة 98) وتونس (المرتبة 103). ومع ذلك، بالمقارنة مع الخليج، هناك مجال للتحسين إذا كانت مصر تريد المنافسة إقليميًا.
أحد المؤشرات الحاسمة هو التعاون بين الجامعات والصناعة في مجال البحث والتطوير، حيث تحتل مصر المرتبة 53. وبالمقارنة، تحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة 28 في البحث والتطوير العالمي والمرتبة 18 في البحث والتطوير بين الجامعات والصناعة، بينما تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة 31 في البحث والتطوير العالمي والمرتبة 36 في البحث والتطوير بين الجامعات والصناعة. وبينما صعدت مصر ثلاثة مراكز في ترتيبها الإجمالي من مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022، فمن الواضح أن هناك مجالًا للتقدم إقليميًا وعالميًا. ولكي تتقدم مصر، فإنها تحتاج إلى شراكات أقوى مع الصناعة والأوساط الأكاديمية، وزيادة الاستثمار في البحث والتطوير، والسياسات التي تحفز الابتكار المحلي على الحلول المستوردة
وقد أوضحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التحديات التي تواجه نظام الجامعة والبحث والابتكار في مصر في تقريرها لعام 2019 بعنوان “الاستراتيجية الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار 2030“.
ويشير التقرير إلى وجود فجوة في تبادل المعلومات بين مؤسسات البحث والصناعة. ويفتقر قطاع الصناعة إلى الوضوح في توصيل احتياجاته في حين يواجه وصولاً محدودًا إلى بيانات البحث بسبب ضعف قواعد البيانات والبنية الأساسية المؤسسية.
كما تم الكشف عن أن الصناعات غالبًا ما تتجاوز البحث والتطوير المحلي وتعتمد بدلاً من ذلك على التقنيات الأجنبية. وحتى عندما تتعامل الصناعة مع الباحثين، فإنها توظفهم بشكل فردي بدلاً من التعاون مع المؤسسات. ويشير التقرير إلى عمليات الترويج البيروقراطية التي تحد من الناتج البحثي، مما يزيد من تثبيط التعاون مع الصناعة. وهذا، إلى جانب الحوافز غير الكافية، يؤدي إلى إحجام أعضاء هيئة التدريس عن المشاركة في المشاريع الممولة من الصناعة.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما لا تثق الصناعة والجامعات ومؤسسات البحث والتطوير في بعضها البعض. حتى في الحالات القليلة من الابتكار الصناعي، لا يتم منح مؤسسات البحث والتطوير إلا القليل من الفضل. بالإضافة إلى ذلك، فإن انخفاض الاستثمار الصناعي في البحث والافتقار إلى سياسات الملكية الفكرية الكافية يعوقان التعاون بين الجامعات والصناعة.
بشكل عام، يؤدي هذا إلى إدامة الافتقار إلى ثقافة البحث والتطوير في الصناعة، مما يخنق الابتكار. ولمعالجة هذه التحديات، يجب تقديم مبادرات لسد الفجوة بين البحث الأكاديمي والحلول التي يحركها السوق.
برنامج R2E
تحت رعاية الدكتور محمد أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فتح صندوق دعم المبدعين مؤخرًا التسجيل للجولة الخامسة من برنامج الباحثين إلى رواد الأعمال (R2E). يهدف البرنامج إلى تمكين الباحثين في الجامعات المصرية ومراكز الأبحاث من تطبيق مبادئ ريادة الأعمال لسد الفجوة بين البحث العلمي والسوق.
يوضح الدكتور هاني عياد، المدير التنفيذي لصندوق دعم المبدعين، أن هذا البرنامج سيستهدف الباحثين الذين لديهم فكرة بحثية مبتكرة ويهدف إلى طرحها في السوق. ويضيف أن هذه فرصة للباحثين لاكتساب المهارات اللازمة لتحويل أبحاثهم المبتكرة إلى شركات ناشئة أو منتجات قابلة للتطبيق اقتصاديًا.
يوفر R2E ورش عمل تدريبية عبر الإنترنت تزود الباحثين بالمهارات اللازمة لتقييم الإمكانات الاقتصادية لأبحاثهم. علاوة على ذلك، فإن الهدف هو تعزيز الشركات الناشئة ذات التكنولوجيا العميقة من خلال تحويل البحث إلى منتجات وخدمات قابلة للتسويق.
بشكل عام، تلعب مبادرات مثل هذه دورًا محوريًا في ربط البحث باحتياجات السوق، مما يمهد الطريق لجهود أوسع نطاقًا تعزز التعاون بين الجامعات والصناعة والحكومات
AUC V-Lab
في الماضي، كان لدى (AUC V-Lab) التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة مبادرة بالتعاون مع هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات المصرية (ITIDA) تسمى Startup Launchpad. هذا مثال على التعاون بين كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية بالقاهرة والهيئات الحكومية المصرية.
في نوفمبر 2021، ساعد البرنامج 13 شركة ناشئة في العثور على فجوات السوق الحالية وتحسين منتجاتها أو خدماتها لتلبية هذه الفجوات. وفي النهاية تمكنت الشركات الناشئة من عرض أفكارها على مسرعات الأعمال والمستثمرين البارزين.
“الشركات الناشئة هي الوقود الرئيسي للاقتصاد، وهناك منافسة ضخمة على المستوى الإقليمي والعالمي وتحاول العديد من البلدان جذب الشباب”.
عمرو محفوظ، الرئيس التنفيذي لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات ونائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتنمية الأعمال
مع وجود دولة تتمتع بإمكانات كبيرة مثل مصر، فإن توسيع نطاق هذا النموذج يمكن أن يؤدي إلى مساهمة اقتصادية ذات مغزى.
لتحويل الأفكار إلى مشاريع قابلة للاستمرار اقتصاديًا، من الضروري التغلب على التحديات التي تخنق المزيد من التعاون المتكامل بين الجامعات والصناعة والحكومة.
التحديات
تواجه الجامعات تحديات في تعزيز الابتكار لأن تركيزها التقليدي ينصب على التدريس والبحث بدلاً من ريادة الأعمال. يرى الأكاديميون أدوارهم كمعلمين وليس رواد أعمال، وبالتالي يتطلبون مشاركة أكبر من خبراء الصناعة لتعزيز هذا الدور.
تتمتع الجامعة الأمريكية بالقاهرة بميزة لا تتمتع بها غالبية الجامعات في مصر، مع إمكانية الوصول إلى عمالقة الصناعة من خلال الخريجين أو مكانتها المرموقة كجامعة عليا. وهذا يمنحهم القدرة على التفاوض مع المؤسسات الدولية والمحلية، وهي ميزة تفتقر إليها الجامعات الأخرى غالبًا، وخاصة في جذب المستثمرين أو خبراء الصناعة.
تسلط هالة الحديدي وديفيد أ. كيربي، في ورقتهما البحثية، الضوء على التحديات التي تواجهها الجامعات في دعواتها إلى سياسة ابتكار متكاملة. يقترحان أنه إذا تم تقديم حوافز، سواء كانت تشريعات جديدة، أو إعفاءات ضريبية، أو قوانين جديدة لتعزيز التعاون بين الصناعة والجامعة، فقد يكون هناك زيادة في الثقة المتبادلة والاستعداد للتعاون. في حين تقدم الجامعات المصرية الاستشارات للصناعة، فإن هذا النموذج القائم على الخدمة يفتقر إلى العلاقة المفيدة للطرفين اللازمة لدعم الابتكار.
بالنسبة للجامعات، من الأهمية بمكان زيادة التمويل للبحث وتعديل سياسات الترويج ولوائح الملكية الفكرية لتشجيع المشاركة البحثية المتعلقة بالصناعة. للتغلب على هذا، يجب عليها تعزيز قواعد بيانات البحث والبنية الأساسية لتشجيع تمويل الصناعة. بالإضافة إلى ذلك، يجب عليها إظهار الربحية، سواء من خلال مخرجات البحث أو الأسهم المحتملة في المشاريع الريادية.
إذا كان الأمر كذلك، فقد يصبح الاعتماد على البحث والتطوير المحلي أكثر تكلفة وربحية. يمكن للصناعة أن تقدم حسن النية من خلال التمويل والمبادئ التوجيهية الواضحة للبحث. إن هذا من شأنه أن يسد الفجوة ويعزز الشراكات التعاونية مع الجامعات.
ولتشجيع الصناعة، يمكن للدولة أن تقدم سياسات مثل الإعفاءات الضريبية والإعانات عندما تعتمد الصناعة على البحث والتطوير المحلي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز التمويل لمراكز البحوث الجامعية الأفضل من شأنه أن يجعلها أكثر جاذبية للصناعات حيث سيكون من الأرخص الاعتماد على البحث والتطوير المحلي المنفذ بشكل جيد.
ولكي تصبح مصر قوة دافعة للابتكار، يتعين على الجامعات أن تصبح مراكز للمعرفة ومحركات للتحول الاقتصادي. وتتمتع جامعات مصر بالقدرة على سد الفجوة ــ والآن، السؤال هو كيف يمكن للصناعة والأوساط الأكاديمية وصناع السياسات أن يتعاونوا لتحويل هذه الإمكانات إلى تقدم.
ومن خلال تعاون جميع الأطراف معًا، يمكن إطلاق العنان للإمكانات الكاملة لجامعات مصر، وتحويل الأفكار إلى تأثير ملموس على أرض الواقع.
إن المستقبل يتكشف أمام أعيننا… فكيف سيتشكل؟
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.