على الرغم من سلسلة الحوادث التي شهدها قطاع النقل الذكي في مصر سواء سرقات أو حوادث اعتداء وتحرش وتناول مخدات، إلا أن يُعد قطاع النقل الذكي في مصر، الذي تسيطر عليه شركتا “أوبر” و”كريم”، مع مشاركة من “ان درايف” وبعض التطبيقات الأخرى، في طريقه لتحقيق نمو كبير خلال السنوات القادمة، وذلك على الرغم من التحديات التي يواجهها. تكشف البيانات أن السوق المصري يمتلك إمكانات هائلة، لكن تحقيق هذه الإمكانات يتطلب معالجة بعض العقبات الأساسية، التي تشمل تفضيل الدفع النقدي والبنية التحتية المصرفية المحدودة.
نمو متسارع في سوق النقل الذكي
من المتوقع أن يشهد سوق النقل الذكي في مصر نموًا ملحوظًا في السنوات القادمة. فمن المتوقع أن تصل إيرادات السوق إلى 279.37 مليون دولار بحلول عام 2025. كما يُتوقع أن ينمو السوق بمعدل سنوي قدره 7.76% في الفترة من 2025 إلى 2030، ليصل حجمه إلى 405.95 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2030.
من حيث عدد المستخدمين، تشير التوقعات إلى وصولهم إلى 35.79 مليون مستخدم بحلول عام 2030، مع زيادة في معدل انتشار الخدمة من 23.6% في عام 2025 إلى 28.1% بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن يصل متوسط الإيرادات لكل مستخدم إلى 10.02 دولار أمريكي، كما أن 100% من إجمالي الإيرادات في هذا السوق ستكون من المبيعات عبر الإنترنت بحلول عام 2030.
وعلى الرغم من هذا النمو، لا يزال السوق المصري صغيرًا مقارنة بالأسواق العالمية، حيث تُظهر التوقعات أن الصين ستحقق أكبر إيرادات في سوق النقل الذكي عالميًا، بإيرادات متوقعة تبلغ 62 مليار دولار أمريكي في عام 2025.
دور المرأة في سوق النقل الذكي
أظهرت دراسة أجريت في القاهرة أن خدمات النقل الذكي، أحدثت تأثيرات إيجابية كبيرة على حركة تنقل المرأة، خاصة وأن fuq النساء في القاهرة يعتبرن وسائل النقل العام التقليدية غير آمنة. وقد وجدت الدراسة أن تخفيض الأسعار بنسبة 50% أدى إلى زيادة استخدام النساء لخدمات “أوبر” وتنقلهن بشكل عام أكثر من الرجال. كما أن هذا التخفيض في الأسعار أدى إلى شعور النساء بمزيد من الأمان خلال رحلاتهن، على عكس الرجال. وتشير هذه النتائج إلى أن توفير وسائل نقل آمنة وبأسعار معقولة يمكن أن يعود بفوائد كبيرة على فئات معينة من السكان، خاصة النساء اللاتي يواجهن تحديات تتعلق بالسلامة.
التحديات الحالية ومستقبل الحلول الذكية
لا يخلو مسار النقل الذكي في مصر من التحديات. بالإضافة إلى الأعباء المالية التي قد تواجه السائقين وتحديات التنافسية، يبرز تفضيل الدفع النقدي في المجتمع المصري كعقبة رئيسية، وذلك بالنظر إلى أن البنية التحتية المصرفية لا تزال محدودة نوعًا ما. وقد أشار تقرير آخر إلى أن 100% من إيرادات سوق النقل الذكي في مصر ستكون عبر الإنترنت بحلول عام 2030، مما يسلط الضوء على أهمية التحول الرقمي في هذا القطاع.
ومع ذلك، فإن هناك جهودًا حكومية مبذولة لتعزيز هذا القطاع من خلال مشاريع النقل الذكي الكبرى. حيث أظهرت دراسة حديثة أن مصر تسير بخطى سريعة نحو المرحلة المتوسطة من تطبيق حلول النقل الذكي، وذلك بفضل مشاريع مثل المونوريل الكهربائي، وقطارات السوبر جيت، وقطار النقل الخفيف (LRT). وتؤكد الدراسة أن هذه المشاريع، جنبًا إلى جنب مع تطبيقات النقل الذكي الموجودة، مثل “أوبر” و”كريم”، يمكن أن توفر حلولًا أكثر كفاءة وأمانًا وراحة للمواطنين.
شهدت مصر في الآونة الأخيرة سلسلة من الحوادث المقلقة المرتبطة بشركات النقل الذكي، مما أثار جدلاً واسعاً حول معايير الأمان والسلامة التي توفرها هذه التطبيقات لكل من الركاب والسائقين. وتنوعت هذه الحوادث بين جرائم تحرش واعتداء على الركاب، ووصلت إلى حد الوفاة في بعض الحالات، بالإضافة إلى جرائم أخرى استهدفت السائقين أنفسهم، مما وضع هذه الشركات في مواجهة ضغوط شعبية وبرلمانية متزايدة لتشديد الرقابة وتطبيق إجراءات أكثر صرامة.
تقول إحدى الراكبات ردًا على بعض الشكاوي التي انتشرت في المجتمع مؤخرًا: عندما بدأت استخدام تطبيقات حجز السيارات لأول مرة، شعرت أنها تمثل نقلة كبيرة مقارنة بالتاكسي التقليدي: أكثر موثوقية، أسعارها واضحة، وأسهل في الاستخدام. لكن مع مرور الوقت لاحظت بعض التغيّرات: الأسعار ارتفعت، أوقات الانتظار أصبحت أطول في بعض الأحيان، وجودة الخدمة (مثل حالة السيارة أو التزام السائق بالمواعيد) لم تعد دائمًا بنفس المستوى السابق. ومع ذلك، تظل هذه التطبيقات في أغلب الحالات أكثر راحة من التاكسي العادي.
أضافت: بالنسبة لي، الأمان والموثوقية هما الأهم. أريد أن أشعر بالاطمئنان أثناء الرحلة وأن أثق في احترافية السائق. ورغم أن كثيرًا من السائقين محترمون، مررت ببعض التجارب غير المريحة، كما أنني شاهدت قصصًا على وسائل التواصل عن سلوك غير لائق. هذا جعل بعض النساء، وأنا من بينهن، يشعرن بقلق أكبر عند استخدام هذه التطبيقات. أعتقد أن هناك حاجة فعلية لإجراءات أقوى مثل تعزيز المساءلة، وربما زيادة تمثيل النساء في مناصب قيادية بهذه الشركات لضمان الأمان ومنع الحوادث التي نسمع عنها بشكل شبه يومي. التسعير أيضًا عامل مهم، خاصة مع الزيادات الأخيرة التي تجعلني أحيانًا أعيد التفكير قبل استخدام التطبيق. أما جودة السيارة، فأنا لا أبحث عن الرفاهية، لكن أقدّر أن تكون الرحلة نظيفة وآمنة.
أبرز حوادث الركاب تثير غضباً مجتمعياً
كانت قضايا الاعتداء على الركاب، وخاصة النساء، هي الأبرز والأكثر إثارة للرأي العام. ومن أشهر هذه الحوادث قضية “فتاة الشروق”، حبيبة الشماع، التي قفزت من سيارة تابعة لأحد تطبيقات النقل الذكي، وهي تسير بسرعة، مما أدى إلى وفاتها متأثرة بإصابتها. وقد أفادت قبل وفاتها أن السائق حاول اختطافها.
وتكررت حوادث مشابهة من محاولات اعتداء وتحرش، حيث استغل بعض السائقين طلب الركاب إلغاء الرحلة والدفع النقدي لاصطحابهم إلى أماكن نائية. كما تم ضبط سائقين ارتكبوا أفعالاً خادشة للحياء بحق راكبات، مما أدى إلى صدور أحكام قضائية بحقهم. هذه الحوادث دفعت بالعديد من أعضاء مجلس النواب إلى تقديم طلبات إحاطة وبيانات عاجلة، مطالبين بوضع ضوابط صارمة لضمان سلامة المواطنين، فضلا عن شكاوي بعض الركاب من طول فترات الانتظار وسوء حالة بعض السيارات وعدم ملاءمتها مع المقابل المادي المطلوب.
عبّر محمد أبو بكر، أحد الركاب الذين تعاملوا مع شركات النقل الذكي، عن استيائه من تجربته المتكررة مع تطبيقات النقل التشاركي -التي يقول انه يستخدمها عادة -ومواجهته مشكلات متعلقة بوقت الانتظار، نوعية السيارات، وصعوبة التواصل مع خدمة العملاء.
وأوضح أنه بعض الحالات تصل سيارات لا تتوافق مع مواصفات الخدمة، مثل مشكلات التكييف في فصل الصيف.
وأضاف: “أعيش في المقطم، ورغم أنه حي حيوي، أواجه وقت انتظار طويل، وكذلك في مقر عملي بالقرية الذكية. نفس المشكلة تتكرر مع معظم الشركات”.
تحديات تواجه السائقين
في المقابل، يواجه سائقو شركات النقل الذكي تحديات ومشاكل متعددة، تشمل اتهامات غير صحيحة من قبل الركاب، ونزاعات مالية، ومشاكل تتعلق بالترخيص. كما تعرض عدد من السائقين لجرائم عنيفة وصلت إلى القتل والسرقة بالإكراه. ففي إحدى الحوادث، تم دفن سائق حياً بعد استدراجه إلى منطقة صحراوية وسرقة سيارته. وفي واقعة أخرى، قُتل سائق طعناً بهدف السرقة.
ويشتكي العديد من السائقين من تدني أسعار الرحلات في ظل ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف صيانة السيارات، مما يضطرهم للعمل لساعات طويلة لتحقيق دخل مناسب.
“الفترة اللي فاتت وجدنا عملاء كتير بيشتكوا أنها تطلب إحدى الشركات ولا تجد عربيات، هناك عدة أسباب أن أسعار بضعها أصبحت قليلة جدا، العميل بعيد عنك بمسافات كبيرة، فلا تقبل طلبه، فضلًا عن أن هناك رحلات كثيرة قد لا تناسب السائقين”.
أحد سائقي شركات النقل الذكي، عبر موقع تيك توك
فرص استثمارية
على الرغم من تلك التحديات التي يعتبرها البعض سلبيات لبعض شركات التنقل الذكي في مصر؛ إلا ان شركة مثل “أوبر” ساهمت أوبر بما يقدر بنحو 7.4 مليار جنيه مصري في الاقتصاد المصري، وفي عام 2023، حقق السائقون دخلاً إضافياً يقدر بـ 1.8 مليار جنيه مصري سنويًا من خلال استخدام تطبيق أوبر. أنتج تطبيق أوبر ما يقدر بـ 67 مليار جنيه مصري كفائض استهلاكي في عام 2023، وهو ما يعادل حوالي 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، كما دعم التطبيق الاقتصاد الترفيهي في مصر بقيمة إضافية تقدر بـ 710 مليون جنيه مصري في عام 2023
كما أن هناك إمكانات كبيرة لتحسين خدمات النقل الذكي من خلال:
- التركيز على البعد التكنولوجي والبيئي، حيث أظهرت دراسة أن هناك حاجة لتحسين هذه الأبعاد في تطبيقات النقل الذكي.
- دمج حلول التكنولوجيا الخضراء والسيارات الكهربائية لتقليل الانبعاثات الكربونية.
- تطوير أنظمة دفع رقمي، مثل البطاقات الذكية والدفع عبر تطبيقات الهاتف المحمول.
- إشراك المجتمع المحلي في صنع القرار المتعلق بتطوير النقل الذكي.
وفي الختام، يظهر أن سوق النقل الذكي في مصر يحمل في طياته مستقبلًا واعدًا للنمو والابتكار، لكنه يتطلب تعاونًا بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى تذليل العقبات الحالية لضمان توفير خدمات آمنة، فعالة، ومستدامة لجميع فئات المجتمع.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.