تستمر حرب غزة ويتساقط ألاف الأبرياء من نساء وأطفال يوميًا سواء جرحى أو مفقودين أو فاقدين لذويهم أو حتى هاربين جحيم الصواريخ القاتلة تاركين خلفهم حياتهم وذكرياتهم تحت أنقاض منازلهم المُدمرة، حيث ألهبت المشاهد القاسية التي تخرج من شاشات التلفاز او عبر قنوات التواصل الاجتماعي قلوب بعض المشاهدين ليدشنوا أو بالأحرى يعيدوا إطلاق حملات شعبية لمقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل باعتبار ان سلاح المقاطعة الشعبية هو الحل الأنسب في ذلك الموقف المتأزم بمنطقة الشرق الأوسط، ربما يكون عنصر ضغط يكون له أثر – ولو حتى بسيط – في إعادة الطرفين لطاولة المفاوضات والتوقف عن سفك دماء الأبرياء، في مشاهد ربما لم يرى التاريخ الحديث لها من مثيل.
ماركات عالمية تسقط
هبطت أرباح شركة “أمريكانا للمطاعم العالمية”، بنحو النصف خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث انخفضت الإيرادات 16.3% لتصل إلى 493.5 مليون دولار، وراجعت صافي الربح تراجع 52% إلى 28 مليون دولار، كما وصلت التدفقات النقدية الحرة من أنشطة التشغيل لسالب 26.5 مليون دولار.
الشركة صاحبة الامتيازات لعلامات تجارية تضم دجاج كنتاكي، وبيتزا هت، وهارديز بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكازاخستان، توقعت في نوفمبر الماضي تأثر أعمالها بسبب التطورات الجيوسياسية مع تصاعد دعوات المقاطعة في المنطقة للمنتجات الأميركية بسبب الحرب الإسرائيلية في غزة التي اندلعت أكتوبر من العام الماضي، وظهر ذلك على نتائجها السنوية العام الماضي، عندما حققت أرباحاً دون توقعات المحللين.
تأثر أيضًا “ستاربكس” إمبراطور القهوة العالمي من جراء المقاطعة، حيث أغلق سهم الشركة على تراجع بنحو 2.4% في ختام تداولات جلسة الجمعة، وتراجع منذ بداية هذا العام بأكثر من 23% ليتم تداوله عند 73.11 دولار للسهم. ربطت “ستاربكس” انخفاض عدد الزبائن لديها بالتضخم الذي يجبر المستهلكين على تخفيض مصاريفهم، إضافة إلى التغير المناخي وارتفاع أسعار القهوة، وتأثر المبيعات بالصراع الدائر في الشرق الأوسط.
يقول مركز “Stimson” الأمريكي في ورقة بحثية بعنوان “المستهلكون يحتجون على حرب غزة من خلال مقاطعة البضائع الأمريكية“، أن حملات المقاطعة تعتبر وسيلة للمواطنين المحرومين من التعبير عن أنفسهم ببساطة عن طريق اختيار عدم شراء العلامات التجارية التي يرونها موالية لإسرائيل، حيث تسب مقتل سبعة من عمال الإغاثة التابعين للمطبخ المركزي العالمي في غزة بغارة جوية إسرائيلية في زيادة المشاعر في الشرق الأوسط، لا سيما بين أولئك الذين كانوا يدعمون بالفعل الحملات الاستهلاكية ضد الدول والعلامات التجارية الغربية.
استهدفت ماكدونالدز وستاربكس وشركات أمريكية أخرى بارزة بسبب دعمها المُفترَض لإسرائيل وحربها على غزة. واجهت ماكدونالدز انتقادات لتقديم وجبات مجانية للجنود الإسرائيليين، بينما تورطت ستاربكس في نزاع قانوني مع بعض من عماله بسبب تأييدهم لفلسطين.
توضح ورقة العمل المنشورة في المركز الأمريكي، أن الشركات الأمريكية واجهت أيضًا حملات مقاطعة بسبب قرارات السياسة الخارجية الأمريكية مثل غزو العراق وأفغانستان في أوائل الألفية الجديدة. أيضًا، دفع دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في تلك الفترة إلى حملات استهدفت شركات مثل كوكاكولا وماكدونالدز وغيرها من العلامات التجارية الأمريكية، التي كانت، سواء بسبب أصولها الغربية أو من خلال إجراءات محددة، تُعتبر شريكة في سياسات الحكومة الإسرائيلية.
أحد أثر الحملات الاستهلاكية الواضح هو انخفاض المبيعات، لكن الضرر لسمعة الشركة يمكن أن يكون أكثر تكلفة على المدى الطويل. الشركات المحلية في الشرق الأوسط تستفيد من هذه الحملات، حيث يختار الكثيرون من المستهلكين المنتجات المحلية على الأجنبية كشكل من أشكال الاحتجاج. تعكس هذه التغييرات في سلوك المستهلك اتجاهًا أوسع نحو استغلال القوة الاقتصادية للتعبير عن المواقف السياسية والأخلاقية، خاصة بين الشباب.
بدائل محلية
وربما كما يقولون “مصائب قوم عند قوم فوائد” حيث قام بعض المستخدمين بتطوير قوائم للسلع والعلامات التجارية المطلوب مقاطعتها، وآخرون يدرجون بدائل في الأسواق المحلية، وتم إنشاء صفحات وتطبيقات ومجموعات إلكترونية على فيسبوك للمساعدة في تحديد السلع والشركات المقاطعة وتحديث قوائمها والترويج للمنتجات المحلية، وقد تم استخدام الوسوم باللغة العربية مثل “المقاطعة”، و”قاطعوا ستاربكس”، و”ادعموا السكان المحليين” في ملايين المنشورات على الإنترنت منذ بداية الحرب بين إسرائيل وغزة في 7 أكتوبر الماضي، وهنا بدأت المنتجات المحلية العربية تظهر بقوة، فعلى سبيل المثال “بفخر صنع في مصر” هي مجموعة عامة على فيسبوك تروج للمنتجات المصرية الصنع، ولكن بعد حملة المقاطعة، اكتسبت المزيد من الشهرة والأعضاء، وهو ما يمكن أن يشير إلى أن حملة المقاطعة الأخيرة الواسعة ربما كانت بداية لإعادة تشكيل العديد من عناصر الضغط في المنطقة.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.