وسط طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، يقف عادل الشنتناوي، المدير التنفيذي لشركة “هايدروفامز” Hydro farms للحلول الزراعية، في وسط مزرعته الفريدة من نوعها. بعكس المزارع التقليدية، لاتنمو المحاصيل هنا في التربة، بل في شبكة مواسير ضخمة تمد النباتات بكافة احتياجاته من ماء ومغذيات، فيما يعرف بأسلوب الزراعة المائية أو الهيدروبونيك.
يتجول الشنتناوي بين أصفف المواسير، التي تنتج أنواعا من خس الآيسبرج، والباتافيا، والكيل وغيرها من المحاصيل غير الشائعة في مصر. “هذا النوع من الزراعة يمكننا من زراعة المحاصيل في بيئات يتم التحكم فيها إلكترونيا، وبالتالي، لانتقيد أيضا بالمواسم الزراعية”، يشرح الشنتناوي، إضافة لذلك، فهذا النوع من الزراعة يوفر ما بين ٧٠ إلى ٩٠٪ من المياه التي تستهلكها الزراعة العادية، فضلا عن ذلك لا تحتاج المزرعة إلى استخدام أي مبيدات حشرية.
كان الشنتناوي يدير البيزنس في إحدى جامعات فرنسا، وفي أعقاب ثورة يناير ٢٠١١، شعر برغبة في الرجوع إلى مصر وبدء مشروع مفيد للاقتصاد. رغم أنه لم يدرس الزراعة، إلا أنه تحمس لفكرة الزراعة المائية، لما رآه فيها من عائد اقتصادي إيجابي لمصر، خاصة في فترة تواجه فيها البلد خطر الفقر المائي والعواقب المحتملة للتغير المناخي. عام ٢٠١٢، عاد الشنتناوي إلى مصر، وبالتجربة والخطأ والكثير من البحث، صارت شركته اليوم إحدى الشركات الرائدة في مجال استشارات الزراعة المائية.
“المشكلة الكبرى بالطبع هي ارتفاع التكلفة، فتكلفة الفدان الواحد عدة ملايين من الجنيهات”
عادل الشنتناوي، شريك مؤسس “هايدروفارمز”
يشرح الشنتناوي أن هناك تحديين رئيسيين يعوقان انتشار الزراعة المائية في مصر. “المشكلة الكبرى بالطبع هي ارتفاع التكلفة، فتكلفة الفدان الواحد قد تتكلف عدة ملايين من الجنيهات”، كما يشرح الشنتناوي، وهو أحد الأسباب الرئيسية لقلة الاستثمارات في هذه القطاع، ففي مصر اليوم أقل من ٢٠٠ مزرعة مائية. التكلفة المرتفعة أيضا تفرض قيودا على نوع المحاصيل التي يمكن زراعتها بهذا الأسلوب، فالفاكهة تستغرق وقتا طويلا في زراعتها، مما يعني أن استخدام الزراعة المائية سيضاعف تكلفتها عشرات المرات.
أما المشكلة الثانية، فهي أن هذا النوع من الزراعة يتطلب معرفة تقنية متخصصة يندر تواجدها في مصر”.
التصدير هو الحل
يقول الشنتناوي أن شركته تعمل على إنشاء أكاديمية لتعليم فنون “الهايدروبونيكس”، وهو ماسيساهم في حل مشكلة نقص الخبرات حاليا. “نحاول أن ننقل خبراتنا لأكبر عدد ممكن من المزارعين والأيدي العاملة، فهذا فقط هو ما سيضمن أي توسع مستقبلي في السوق”، كما يشير الشنتناوي. تنظم الشركة أيضا عددا من الأنشطة التي تستهدف الأطفال من خلال زيارات المدارس لنشر الوعي البيئي بأهمية الزراعة المائية، ونشر نماذج مصغرة ممكن تنفيذها في المنزل.
“المنافسة هنا ليست الطريق الصحيح، بل التعاون”
عادل الشنتناوي، شريك مؤسس “هايدروفارمز”
يدخل الشنتناوي إلى غرفة يجتمع بها ١٥ عاملا، يغلفون المحاصيل المختلفة داخل ورقة شفاف مطبوع عليه اسم “بيريت”. يشرح الشنتناوي أن “بيريت” هي علامة تجارية جديدة هدفها تجميع محاصيل المزارع المائية في مصر تحت مظلة واحدة، مما يسهل تسويقها وتصديرها إلى الخارج. “المنافسة هنا ليست الطريق الصحيح، بل التعاون”، في رأي الشنتناوي، الذي يرى أن خلق سوقا جديدا لهذه المنتجات في مصر مهمة أكبر من أن تتولاها مزرعة أو شركة واحدة، خاصة أن هذا التصدير لأوروبا يتطلب الإنتاج بكميات ضخمة، لاتقل عن ١٥ إلى ٢٠ طنا شهريا، وهي كمية أكبر من قدرة أي مزرعة مائية مصرية بمفردها. ويشير الشنتناوي إلى أن هناك العديد من المحاصيل التي يمكن التوسع في زراعتها بأسلوب الزراعة المائية، مثل الطماطم والفلفل، والأعشاب الطبية، وغيرها.
يأمل الشنتناوي أن هذه الجهود سينتج عنها انتشارا أكبر للزراعة المائية في مصر، لتصبح مكونا رئيسيا من الثروة الزراعية في مصر، وليس مجرد نشاط هامشي، قائلا “أؤمن بأن الزراعة المائية قد تكون طريق مصر للرجوع إلى مكانتها القديمة كمركز للزراعة والغذاء في العالم”.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.