fbpx

هل يُمكن أن يُغير الذكاء الاصطناعي منظومة عمل الشركات الناشئة العربية؟

هل يُمكن أن يُغير الذكاء الاصطناعي منظومة عمل الشركات الناشئة العربية؟

بين التفاؤل من مزاياه المتعددة وفوائده الاقتصادية الواسعة والحذر من تداعياته الخطيرة التي قد تقلب عالم الاستثمار بين لحظة وأخرى، أصبح الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة جزء أساسي من عمل بعض الشركات الناشئة.. بل وصل الأمر إلى أن يتسابق رواد الاعمال لبناء نماذج أعمالهم وخططهم التشغيلية عبر تلك التطبيقات المتقدمة، ودخلت تلك التكنولوجيا الحديثة في العديد من المجالات، ليبدأ رواد الاعمال العرب في الدخول لذلك السباق العالمي من خلال بناء تطبيقات ومنصات تعمل عبر تلك الآليات والخوارزميات الذكية وتطوير شركاتهم الناشئة ومنتجاتهم لتناسب العصر الجديد، لذلك لا تتعجبوا عندما تعرفون أنه من المتوقع أن تحقق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 320 مليار دولار بحلول عام 2030 من القيمة المضافة بواسطة الذكاء الاصطناعي.

سباق عالمي

ذكر صندوق النقد الدولي، في عدد ديسمبر من مجلة “التمويل والتنمية” -التي تصدر عنه – أنه يمكن لاعتماد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي زيادة نمو الإنتاجية بمقدار 1,5 نقطة مئوية سنويا على مدار فترة عشر سنوات وزيادة إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 7% (7 تريليونات دولار في شكل إنتاج إضافي)، وتوقع البعض أن تصل نسبة النمو الاقتصادي العالمي إلى 10%، مع ارتفاع الناتج العالمي لأكثر من 30% سنويا، حيث يعتمد كل هذا التفاؤل التكنولوجي على “قاطرة الإنتاجية”، التي تشير إلى أن التقدم التكنولوجي يؤدي لتحقيق مزيد من الإنتاجية، وهو ما يزيد صافي الأجور ويحقق نهضة اقتصادية واسعة، كما أن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى انخفاض عدم المساواة في توزيع الدخل لأن أثره الرئيسي على القوى العاملة هو مساعدة العمال الأقل خبرة أو الأقل معرفة على أن يكونوا أفضل في وظائفهم، كما أنه سيعمل على تخليص البشر من العمل الروتيني الممل، وتفرغهم للإبداع والابتكار وهو ما سيؤدي لرفع الإنتاجية وتحسين بيئة العمل.

تضيف المجلة في تقريرها أن الذكاء الاصطناعي يشجع أيضا الابتكار اللامركزي الواسع النطاق الذي يزدهر بشكل أفضل عبر العديد من الشركات الصغيرة مقارنة باحتكاره سابقًا بعض الشركات الكبرى، حيث أن العالم  يحتاج لمزيد من المُبتكرين المدعومين بالذكاء الاصطناعي، فقد يكون عالمًا يقرر فيه المزيد من المبتكرين أنهم يفضلون أن يكونوا أصحاب شركات صغيرة بدلا من أن يكونوا موظفين في شركات كبيرة، والنتيجة هي أن يبدأ الارتفاع الذي طال أمده في التركز الصناعي في الانهيار، لأن بعض الشركات الصغيرة الذكية ستعمل على إغلاق الفجوة التكنولوجية مع نظيراتها الأكبر حجما أو حتى عكس اتجاه هذه الفجوة واستعادة المزيد من حصة السوق.

مبادرات إقليمية

بمجرد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحقيق بعضها جولات تمويلية وأرباح عالية، سارع بعض رواد الأعمال العرب بتطوير منتجاتهم وخدماتهم للتعامل مع تلك التقنيات المتطورة حتى أن بعضهم بدأ في بناء تطبيقات تعتمد على اللغة العربية في عملها، توضح مؤسسة “ماجنت” في تقريرها الذي حمل عنوان “التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا“، إن فز

فرص الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هائلة حيث تحاول جاهدة تحويل تركيزها من النفط إلى الاستثمار في الابتكار التكنولوجي من أجل التقدم الاقتصادي، حيث من المتوقع أن يصل النمو السنوي في المساهمة الاقتصادية للذكاء الاصطناعي إلى ما بين 20 إلى 34% سنوياً في جميع أنحاء المنطقة، ومن المتوقع أن تكون أعلى المعدلات في دولة الإمارات والسعودية.

يقول “أمين التاجر”، الرئيس التنفيذي لشركة انفينيت وير، البحرينية، للذكاء الاصطناعي: “ستتغير ريادة الاعمال ومنظومة الاقتصاد في المنطقة الشرق الأوسط بسبب استخدام الذكاء الاصطناعي، وانعكس الأمر بالفعل على شركتنا من خلال توظيف المزيد من الكفاءات التي تدعم استخدام اللغة العربية، فضلًا عن توسعنا في السعودية، حيث إننا حاليًا نعمل في الإمارات، والبحرين وقطر، وسنقوم بتحسين تطبيقاتنا للذكاء الاصطناعي التي تعمل باللغة العربية”.

من جانبه يقول “د. عز الدين المصري”، مدير الاتصالات والشراكات في FIMA PR، للعلاقات العامة والتي تعمل في تركيا والسعودية والإمارات، أن شركته تستخدم الذكاء الاصطناعي في كتابه محتوى المعارض والمؤتمرات التي يقومون بتنظيمها، بالإضافة إلى إنشاء المحتوى الذي سيتم نشره عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يساعد على تسريع عملية كتابة المحتوى وتخفيف العبء على الموظفين، حيث يستطيع صانع المحتوى أن يتحمل مسؤولية أكثر من مشروع في نفس الوقت.

بينما يوضح “مصطفى المصري”، مؤسسInPartners ، أن شركته تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات السوق والاتجاهات، مما يساعدهم على فهم احتياجات العملاء وتوجيه الاستراتيجيات بناء على هذه التحليلات. يرى أن استخدام الذكاء الاصطناعي يوفر الوقت والعمالة، مما يقلل من تكاليف رأس المال والإدارة، على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتولى مهام مثل التسويق والمحاسبة والتحليل والتواصل مع العملاء، بدلًا من الاعتماد على الموظفين البشريين. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهل عملية التخطيط والتنظيم والتقييم والتحسين أداء الأعمال.

تشير “ماجنت” في تقريرها أيضًا أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، نشرت بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استراتيجياتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي، حيث كانت الإمارات أول من أطلق استراتيجية الذكاء الاصطناعي في عام 2017، تلتها مصر في عام 2019. ولدى السعودية والإمارات أيضًا مبادرات محددة تقودها الحكومة للاستراتيجيات المتعلقة بذلك الأمر، وقد لوحظ تحسن كبير بسبب قيمة الأتمتة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والعمل عن بعد، والتغير في عادات المستهلك. مع انتعاش التجارة الإلكترونية والتجزئة بسبب إغلاق المتاجر الفعلية خلال جائحة “كورونا”، لتشير “ماجنت” في تقريرها إلى أنه من المحتمل أن تتم أتمتة 45% من الأعمال الحالية في الشرق الأوسط، مما ينعكس على زيادة الكفاءات ويفتح الباب أمام الشركات لزيادة أرباحها، ولعل ما يبرهن ذلك هو أنه من المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي للإمارات بنسبة تصل إلى 14% في عام 2030، نتيجة توسع استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

تحديات واسعة

بالفعل هو “سلاح ذو حدين”، فالذكاء الاصطناعي على الرغم من مزاياه المتعددة للشركات والمستثمرين والمستهلكين، إلا أنه في ذات الوقت له تأثيرات تكاد أن تصل لدرجة الخطورة، حيث حذر صندوق النقد الدولي من أن أجهزة الحاسب الآلي وغيرها من أشكال تكنولوجيا المعلومات ربما ساهمت في اتساع فجوة عدم المساواة في توزيع الدخل من خلال أتمتة الوظائف الروتينية ذات الدخل المتوسط، والتي أدت إلى استقطاب القوى العاملة إلى عمال ذوي دخل مرتفع وعمال ذوي دخل منخفض. وعلى الرغم من بقاء وظيفتي الرئيس التنفيذي والبواب، فقد حلت الأجهزة المتطورة محل بعض وظائف الطبقة الوسطى من عمال المكاتب كما أن الذكاء الاصطناعي سيودي إلى زيادة عدم المساواة في توزيع الدخل حيث يقوم التقنيون والمديرون بتصميم الذكاء الاصطناعي وتنفيذه ليحل مباشرة محل العديد من أنواع العمل البشري، مما يؤدي إلى انخفاض أجور العديد من العمال.

يضيف “أمين التاجر” أن هناك عددًا من التحديات تقف أمام الحد من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في بعض الأسواق بالمنطقة العربية مثل التحديات الثقافية، ومدى فهم بعض المستهلكين للمنتجات المتطورة وكيفية استعمالها، والتعامل معها، وقلة المواهب والمهارات في ذلك التخصص بالمنطقة، بالإضافة إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يدعم اللغة العربية بشكل موسع”.

يحذر صندوق النقد من نقطة قد تكون في غاية الأهمية للشركات الناشئة ورواد الأعمال، حيث ينوه إلى أنه قد يصبح تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر تكلفة من أي وقت مضى، وهي تكلفة أولية هائلة لا يستطيع أن تتحملها سوى الشركات الكبرى، بالإضافة إلى أنها تتطلب التدريب على مجموعات بيانات ضخمة، والتي تمتلكها المؤسسات الكبيرة بالفعل ولا تمتلكها الشركات الصغيرة، على سبيل المثال، تكلف تدريب نموذج GPT-4 أكثر من 100 مليون دولار أثناء تطويره الأولي ويتطلب تشغيله حوالي 700 ألف دولار يوميًا، من المحتمل أن تكون تصل التكلفة المعيارية لتطوير نموذج كبير للذكاء الاصطناعي إلى مليارات الدولارات.

يشير “عزالدين” إلى أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى خبرة لأن الذكاء الاصطناعي يقوم بتنفيذ الأوامر حرفيًا، وأحيانًا لا يستطيع فهم ما يريده المستخدم بدقة، بجانب قلة وجود تطبيقات ذكاء اصطناعي تعمل باللغة العربية وتفهمها.

يرى “مصطفي” أن من أكثر التحديات التي تواجه تطبيق الشركات الناشئة لتقنيات الذكاء الاصطناعي بالمنطقة، هو نقص البيانات المحلية والمتنوعة التي تعكس واقع السوق واحتياجات العملاء، قلة الموارد البشرية المؤهلة والمدربة في مجالات الذكاء الاصطناعي والبرمجة والتحليل البياني، صعوبة الحصول على التمويل اللازم لتطوير وتسويق المنتجات والخدمات المبتكرة، عدم وجود تشريعات وسياسات واضحة وموحدة تنظم استخدام وحماية تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات المرتبطة بها، ومقاومة البعض في السوق لتبني التغيير والابتكار والثقة في التقنيات الجديدة.

يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة كبرى للشركات الناشئة لتحقيق أرباح عالية من خلال تطوير منتجاتها وتقليل النفقات التشغيل والحد من الأخطاء البشرية وتقليل الوقت الإنتاج، وهو ما قد يخفض من تكلفة النهائية للمنتج والخدمة، مما ينعكس بالإيجاب على الأسعار، ويسمح بزيادة قاعدة العملاء، لذلك يجب على دول المنطقة ومؤسساتها الاقتصادية وضع برامج متخصصة لتشجيع رواد الأعمال العرب على الاستثمار بذلك المجال الحيوي بحسب احتياجات كل سوق، وتشجيع المستثمرين وشركات رأس المال المغامر على تمويل الشركات الناشئة التي تتبنى الذكاء الاصطناعي في أعمالها، مع ضرورة وضع قواعد تنظيمية تُجنب التأثيرات السلبية لتلك التقنيات المتطورة على سوق العمل والتوظيف.

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.