من الخيال العلمي إلى الحقيقة اليومية… أصبح الذكاء الاصطناعي في قلب التحول الكبير لقطاع الرعاية الصحية في منطقتنا. مدفوعًا بتكدّس هائل من البيانات الطبية، واستثمارات ضخمة في البُنى التحتية التقنية، ورغبة متصاعدة في تقديم علاج مُخصص لكل مريض، تستعد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لإعادة صياغة طرق التشخيص والعلاج والرعاية.

كيف يُستَعمَل الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية؟

بتطبيق تقنيات تحاكي التفكير البشري لأتمتة ودعم مهام طبية متنوّعة، مثل:

• التعلّم الآلي: تحليل صور الأشعّة والتنبؤ بالأمراض مبكرًا.
• معالجة اللغة الطبيعية: استخراج وتلخيص المعلومات من سجلات المرضى.
• التحليل التنبؤي: توقع مخاطر الإصابة أو نتائج العلاج.
• الذكاء التوليدي: تشغيل روبوتات الدردشة والأدوات الافتراضية التي تتفاعل مع المرضى.

على الصعيد العالمي، قُدّر حجم السوق بنحو 26.7 مليار دولار عام 2024، يقودها كلّ من الولايات المتحدة والصين. لكن في منطقتنا، تكتسب القصة بُعدًا جديدًا يمتدّ من تحديث التشريعات إلى ضخّ رؤوس الأموال عبر القطاعات.

بالأرقام: نمو استثنائي بنسبة 35.8%

Graph headline: حجم سوق الذكاء الاصطناعي في المنطقة 

Write in each bar: 

• 2023: 290$ مليون 
• 2029: $1.8 مليار

المصدر: BCC Research

• معدل نمو سنوي مركب 35.8% يجعل من المنطقة الأسرع نموًا في العالم.
• الأرقام لا تشمل تركيا ذات السوق المتقدم؛ إذ إنّ إدراجها قد يخلّ بتقييم الفرص في الأسواق الناشئة.
• تشكّل منطقتنا 2% فقط من السوق العالمي، ما يعني امكانيات توسّع هائلة.

ما الذي يحرّك هذا النمو؟

انتشار البيانات الطبية

• الانتقال إلى السجلات الإلكترونية وأرشفة الصور الجينية والمختبرية يوفّر موارد ضخمة لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
• كلما ازدادت الكمّية والتكامل بين قواعد البيانات، ازدادت دقّة التشخيص وسرعة الكشف المبكر، خاصة لأمراض مزمنة كالسكري والسرطان.

استثمارات متصاعدة في البنى التحتية

• تموّل الحكومات مراكز بيانات ضخمة وتحديث للمستشفيات الرقمية، مدعومة برؤى استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، مثل ما تقوم به السعودية و الإمارات و غيرها.
• القطاع الخاص يشارك بدوره:
  • في السعودية، قدّمت إي اف چي هيرميس استشاراتها في اكتتاب «الشركة الطبية المتخصّصة» بقيمة 500 مليون دولار، المرتبط بمنصة «نفيذ» الوطنية للبيانات الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
  • في مصر، قادت إي اف چي هيرميس صفقة استثمارية مع DPI بقيمة 190 مليون دولار في «ألاميدا للرعاية الصحية» التي تعمل على نشر حلول تشخيص الأورام المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
• تدلهذه العمليات على جاذبية السوق وإمكانية تحقيق العوائد.

التحوّل نحو الرعاية الشخصية

• تحليل المسار الطبي والفحص الجيني ونمط الحياة يمكّن الخوارزميات من توصيف علاج مخصّص لكل مريض، بدلاً من المقاربة العامة.
• هذا التوجّه يساهم في رفع فعالية العلاج وخفض التكلفة الإجمالية للرعاية.

بيئات تنظيمية داعمة

• تشريعات خصوصية البيانات وحوكمة الذكاء الاصطناعي باتت تتبلور في السعودية والإمارات، بحيث توفّر حماية قانونية ومصداقية للمستثمرين والمرضى على حدّ سواء.
• التوازن بين الابتكار وحماية الحقوق هو مفتاح بناء الثقة وضمان تبنّي هذه التقنيات في المستشفيات والعيادات.

التحديات الكبرى

1. ثغرات تنظيمية: لا تزال بعض الدول تفتقر لمعايير واضحة لتقييم واعتماد حلول الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي.
2. نقص الكفاءات: قلة الأطباء والمهندسين المؤهلين للتعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي تحول دون الاستفادة القصوى من هذه التقنيات.
3. أمن البيانات والخصوصية: كلّما تمّ تجميع المزيد من السجلات الصحية، ارتفعت المخاطر السيبرانية؛ لذا فإنّ سياسات حماية صارمة وبُنى تحتية آمنة أمر لا بدّ منه.

ماذا ننتظر في الأفق؟

• توسع الاستخدامات: من دعم القرار الطبي إلى المراقبة اللحظية للمرضى، مرورًا بتطبيقات الصحة النفسية.
• شراكات استراتيجية: تعاون أوسع بين الحكومات والمستشفيات والشركات التقنية والأوساط الأكاديمية لتذليل العقبات وتبادل المعرفة.
• مراكز ابتكار وتنظيم موحّد: نشوء «هاب» إقليمي في الخليج يربط بين البُلدان، حيث تُختبر النماذج الجديدة وتُنسّق القوانين.

تغيّرت قواعد اللعبة: ما كان حلمًا بعيد المنال بات واقعًا يُعاد تشكيله بالبيانات والاستثمار والتشريعات الواعدة. الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية لم يعد نقطة سؤال للمستقبل، بل نقطة انطلاق لحقبة جديدة من العناية المُخصصة والفعّالة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.