وسط ما يشهده الشرق الأوسط من اضطرابات سياسية، وتقلبات اقتصادية، وتحديات قانونية معقدة، باتت الجنسية الثانية أكثر من مجرد وثيقة سفر؛ إنها درع أمان واستراتيجية بقاء لكثير من رجال الأعمال والمستثمرين. فاليوم، لم يعد الاكتفاء بجنسية واحدة خيارًا آمنًا، بل أصبح الحصول على جنسية بديلة وسيلة لحماية المصالح، تأمين الأصول، وضمان حرية التنقل في عالم تتزايد فيه القيود. من جوازات الكاريبي إلى برامج الإقامة الذهبية الأوروبية، فضلا عن دخول الإمارات والسعودية كسوق قوي منافس لجذب أصحاب الأعمال ورواد الأعمال، حيث يتجه سكان المنطقة نحو حلول عالمية لضمان مستقبل أكثر استقرارًا في ظل واقع قانوني متغير وفرص اقتصادية عابرة للحدود.
الشرق الأوسط في المقدمة
وفقًا لتقرير نشرته “جولف بيزنس” يأتي ما يقرب من 60% من طلبات الجنسية الثانية أو الإقامة الثانية من الشرق الأوسط.
ووجدت الدراسة المشتركة بين ويلث-إكس وأرتون كابيتال أن لبنان ومصر وباكستان سجلت أعلى عدد من المتقدمين للحصول على الجنسية الثانية من أصحاب الثروات الكبيرة جدًا (الأفراد الذين تزيد أصولهم الصافية عن 30 مليون دولار أمريكي)، وهو ما يمثل ما يقرب من 40% من الإجمالي العالمي.
وُجد أن أوروبا هي الوجهة الأكثر شعبية للحصول على الجنسية الثانية من أصحاب الثروات الكبيرة جدًا، حيث تضم ما يقرب من نصف الطلبات المقدمة عالميًا.
وصرح أرماند أرتون، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة أرتون كابيتال، لصحيفة جلف بيزنس: “غالبية المتقدمين للحصول على الجنسية الثانية هم من منطقة الشرق الأوسط، فأوروبا أقرب إليهم، وتوفر لهم أمانًا أكبر بكثير من منطقة البحر الكاريبي، كما أنها تمثل استثمارًا أفضل على المدى الطويل في الإقامة أو الجنسية”.
برامج أوروبية
في أوروبا، توفر قبرص ومالطا وبلغاريا والمجر مسارًا واضحًا للحصول على الإقامة والجنسية، على الرغم من أن برامجها أكثر تكلفة من المناطق الأخرى.
الخيار الأرخص حاليًا هو كومنولث دومينيكا. يتطلب تقديم طلب واحد تبرعًا بقيمة 100,000 دولار أمريكي، لذا لا مجال للربح. أما الخيار الأعلى فهو قبرص ومالطا، حيث تبلغ تكلفة الحصول على الجنسية ملايين اليوروهات.
شهدت اليونان، على وجه الخصوص، ارتفاعًا ملحوظًا في عدد المتقدمين الأمريكيين، حيث ارتفعت الأرقام الحكومية الشهرية من 302 إلى 383 بحلول نوفمبر 2024. وتتمتع اليونان بإحدى أسرع عمليات الحصول على التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة في غضون 60 يومًا.
جمع برنامج التأشيرة الذهبية في البرتغال أكثر من 7.2 مليار دولار أمريكي (7 مليارات يورو) منذ إنشائه عام 2012، ومعظم المشاركين من الصينيين والبرازيليين والأمريكيين.
في حين ألغت البرتغال الجزء من البرنامج في عام 2023 الذي كان يُقدم التأشيرات الذهبية من خلال شراء العقارات، لا يزال بإمكان غير الأوروبيين التقدم بطلب للحصول على إقامة سريعة من خلال خيارات متنوعة، بما في ذلك استثمار لا يقل عن 525,000 دولار أمريكي (500,000 يورو) في الصناديق المؤهلة.
لقد غيّرت هذه السياسة طبيعة السكان. فمنذ عام 2018، تضاعف عدد السكان الأجانب في البرتغال بأكثر من الضعف، ليصل الآن إلى مليون نسمة، أي عُشر إجمالي السكان.
ووفقًا للتقرير، تشمل مزايا الجنسية الثانية للعائلات الاستقرار والأمان، والكفاءة الضريبية، وسهولة السفر، ومستوى معيشة أفضل، وخيارات أوسع لتعليم الأبناء، وفرص استثمار أوسع.
يبلغ متوسط صافي ثروة المتقدم للحصول على الجنسية الثانية 205 ملايين دولار، وهو أعلى بكثير من متوسط الثروة العالمية البالغة 135 مليون دولار، حيث وُجد أن أصحاب المليارات أكثر احتمالاً للتقدم بطلبات الجنسية بخمس مرات.
كما يتمتع المتقدمون بسيولة مالية تبلغ 65 مليون دولار، أي ما يقرب من ضعف متوسط السيولة البالغ 35 مليون دولار، مما يعني أنه يمكنهم بسهولة تلبية متطلبات برامج الجنسية أو برامج المستثمرين المهاجرين.
ووفقًا للتقرير، يمكن أن تكون مكاسب الادخار من المشاركة في هذه البرامج “هائلة”، حيث يتمكن الفرد ذو الثروة العالية للغاية الذي ينتقل من الولايات المتحدة إلى دبي من توفير ما يقرب من مليون دولار على ضريبة أرباح رأس المال وحدها.
تبلغ ثروة أصحاب الثروات العالية للغاية، والبالغ عددهم 200 ألف فرد، حوالي 27,770 مليار دولار، ويمثل أصحاب المليارات 1% من إجمالي الأفراد و23%، أو 6.5 تريليون دولار من الثروة، وفقًا لبيانات Wealth-X. ومن المتوقع أن ينمو عدد أصحاب المليارات بنسبة 80% بحلول عام 2020، بزيادة قدرها 1,700 فرد.
ولكن مع تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في بعض الدول خاصة أوروبا وسياسة “ترامب” التي تدعو لوقف تلك البرامج أو قصرها على فئات محدودة جدا، أصبحت تلك الامتيازات مهددة بالتوقف أو على الأقل ستقتصر على قليلة قليلة من المستثمرين وأصحاب النفوذ.
منافسة بين الإمارات والسعودية
مع تشديد الحدود وتزايد القيود على التنقل، برز الخليج العربي كمركز غير متوقع لهجرة المستثمرين، حيث دفعت عائلات الخليج النخبوية – من المقيمين الأجانب والمواطنين على حد سواء – الطلب على برامج الجنسية والإقاممة عن طريق الإستثمار. حيث تُعرف هذه المبادرات باسم برامج “جواز السفر الذهبي” و”التأشيرة الذهبية” على التوالي، وهي تخلق مسارات قانونية سريعة لمواطني الدول الثالثة للحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة مقابل الاستثمار الأجنبي.
وعلى مدار العقد الماضي، برز الخليج – وخاصة دبي – كمركز مهم لهذه السوق، حيث جذب الشركات متعددة الجنسيات ومئات شركات هجرة المستثمرين، قدمت جميع دول الخليج – البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية – برامج التأشيرة الذهبية الشهيرة الخاصة بها في السنوات الخمس الماضية، مما أعاد تشكيل سياسات التأشيرات والأطر القانونية لغير المواطنين، الذين يشكلون ما يقرب من نصف سكان المنطقة.
غالبًا ما يُنظر إلى برامج جوازات السفر والتأشيرة الذهبية على أنها مخصصة حصريًا للأفراد ذوي الثروات الكبيرة الذين يسعون إلى التهرب الضريبي، أو الانخراط في أنشطة غير مشروعة، أو الحصول على جوازات سفر متعددة كسلع “فاخرة”. ومع ذلك، تكشف الأبحاث الجارية مع العائلات التي تستثمر في هذه البرامج والشركات التي تلبي احتياجاتها عن قاعدة مستهلكين أوسع تشمل الفنانين والمبتكرين ورواد الأعمال.
في عالم تتقلص فيه خيارات التنقل وتتزايد فيه التحديات القانونية، أصبحت الجنسية الثانية أكثر من مجرد امتياز؛ إنها أداة استراتيجية لإعادة تشكيل ربما أعمال معينة، أو تصحيح مسار مهني، خاصة مع اتساع تلك البرامج ودخول بعض من دول الخليج كنفس قوي لجذب رجال الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة وبعض المبدعين.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.