fbpx

فرصة هائلة أم فجوة صادمة؟ الاستثمار الهادف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فرصة هائلة أم فجوة صادمة؟ الاستثمار الهادف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا  تحديات تنموية حادّة: ومن ضمنها فجوة تمويلية تُقدّر بـ660 مليار دولار سنوياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ورغم هذه الحاجات الملحّة، لا تحظى المنطقة إلا بنسبة 2% من رأس المال العالمي الموجّه للاستثمار الهادف،  المُفارقة واضحة: الحاجة مرتفعة، ولكن التمويل لا يُواكب.

ما أهمية الاستثمار الهادف في منطقتنا الآن؟

بين الربح والتأثير

الاستثمار الهادف هو توجيه المال نحو مشاريع وشركات تهدف إلى إحداث أثر اجتماعي أو بيئي ملموس، دون التخلّي عن تحقيق عائد مالي.

أنواع المستثمرين هنا تنقسم إلى فئتين:

  • من يضع التأثير أولاً: هدفه الرئيسي هو إحداث التغيير، ويقبل بعائد مالي متواضع، وهو ما ينطبق على نحو 70% من المستثمرين الهادفين في المنطقة.
  • من يضع الربح أولاً: يسعى إلى تحقيق عائد تنافسي، بشرط أن يكون المشروع ملتزماً بمعايير واضحة من التأثير (30% من المستثمرين الهادفين في المنطقة).

ولماذا الشرق الأوسط  بالذات؟

في منطقتنا، يتقاطع العجز مع الإمكانات: نسب بطالة مرتفعة، أزمات مياه ومناخ، وتحديات إعادة إعمار بعد النزاعات. في المقابل، لدينا أدوات استثنائية: صناديق سيادية ضخمة، قطاع مالي إسلامي ، وطاقات بشرية هائلة.

ببساطة: الاستثمار الهادف مصمّم لمعالجة مثل هذه الأوضاع، وجني العائد منها.

بالأرقام: التمويل الهادف ينحاز للدول المتقدمة 

المصدر: GIIN، 2024

  • أكثر من 3900 مؤسسة عالمية تدير اليوم ما يفوق 1.57 تريليون دولار في مجال الاستثمار الهادف.
  • هذا القطاع نما بمعدل 14% سنوياً بين 2019 و2024.
  • مع ذلك، تستحوذ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على 2% فقط من هذه الأموال، وهي الحصة الأدنى بين المناطق النامية.
  • 70% من هذا التمويل يذهب إلى أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وهو أمر يثير التساؤل حول حصول الدول المتقدمة على النصيب الأكبر من التمويل رغم أن حاجتها أقل نسبياً.
  • الاستثمارات المنطقة المُوجّهة نحو تأثير اجتماعي أو بيئي شكّلت فقط 7% من إجمالي صفقات رأس المال الجريء بين 2016 و2021، رغم نموها بنسبة 15% سنوياً.

الفرق بين حاجة المنطقة والتمويل الذي تستقطبه هو أحد أهم المفارقات الاستثمارية في العالم.

ما أسباب تباطؤ النمو؟ 

1. غياب الرؤية الواضحة:

أكبر تحدي  يواجه المستثمرين اليوم هو غياب آليات خروج واضحة. كثير من الشركات الهادفة لا توفّر فرصًا واضحة للبيع أو الطرح العام، ما يقلّص رغبة المستثمرين الذين لا يتحمّلون المخاطر العالية.

2. ضعف التمويل المؤسسي:

استثمارات الجهات الدولية الكبرى مثل مؤسسة التمويل الدولية (IFC) في المنطقة ضئيلة مقارنةً بغيرها. في عام 2024، خصّصت المؤسسة 6.5 مليار دولار فقط للمنطقة—وهو أدنى مستوى عالميًّا.

3. اختلاف الأنظمة القانونية:

يٌعتَيبر توسع الشركات الهادفة اقليميًا من أهم التحديات بسبب اختلاف القوانين والتراخيص بين دول المنطقة والتعقيدات مالية.

4. فجوة المهارات:

تواجه الشركات صعوبة في إيجاد موظفين يملكون المهارات المطلوبة لتنفيذ مشاريع مستدامة. حتى المشاريع الممولة جيداً قد تفشل إذا غاب الفريق المؤهّل.

لكن القصة لم تنتهِ: قوى تغيّر المعادلة

رغم كل هذه العقبات، بدأت ملامح تحوّل ملموسة تظهر في المشهد الاستثماري بالمنطقة.

الصناديق السيادية تتدخّل:

تُدير المنطقة نحو 40% من الأصول السيادية في العالم. وفي 2024 وحدها، استثمرت صناديق المنطقة 165 مليار دولار في قطاعات مثل المناخ والتكنولوجيا الصحية والبنية التحتية.

التمويل الإسلامي في الصدارة:

حجم سوق التمويل الإسلامي العالمي سيتجاوز 7.5 تريليون دولار بحلول 2028. هذا النوع من التمويل المرتبط بمبادئ أخلاقية بدأ يدخل في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الهادفة.

مكاتب العائلات تشارك بقوة:

نحو 47% من مكاتب الاستثمار العائلية في المنطقة تستثمر حاليًا في مشاريع مستدامة أو ذات أثر اجتماعي، وتخطّط لمضاعفة هذه النسبة خلال السنوات القادمة.

ثبات رغم التحديات:

في 2015، وُصِفت المنطقة بأنها تعاني من ضعف في بيئة رأس المال الجريء. الآن، هو السوق الوحيد في العالم الذي حافظ على 3 أضعاف مستويات ما قبل الجائحة في 2024، رغم التراجع العالمي.

هذا الصمود مدفوع بشكل متزايد بمؤسسات محلية رائدة مثل “إي أف جي هيرميس“، التي تدير منصات استثمار هادف متخصصة مثل “آر إكس للرعاية الصحية” لتوسيع الوصول للخدمات الطبية في إفريقيا، وصندوق تعليم بقيمة 300 مليون دولار بالشراكة مع GEMS لتطوير التعليم المدرسي في مصر.

أدوات تحفيز جديدة تظهر:

صندوق «ألتيرّا» التي أُطلقت في «كوب 28» برأس مال 30 مليار دولار، توفّر آليات لتقليل المخاطر في مشاريع المناخ، وتجذب المستثمرين التقليديين.

خارطة طريق للمستقبل

لسد هذه الفجوة وتحقيق الإمكانات الكامنة في الاستثمار الهادف، تحتاج المنطقة إلى تحرّك منسّق من كافة الجهات المعنية.

للحكومات:

  • تبنّي إستراتيجية شاملة لبناء المنظومة: عرض + طلب + بيئة داعمة.
  • توحيد القوانين والإجراءات عبر الحدود لتسريع توسّع المشاريع.
  • الاستثمار في تطوير المهارات وبناء القدرات في تصميم و تقييم المشاريع الهادفة.

للمستثمرين:

  • استخدام الصناديق السيادية والخيرية كمصدر تمويل مرن ومبكّر.
  • التعاون مع صناديق رأس المال الجريء لتجميع الخبرة والسرعة مع الحجم والمرونة.
  • استخدام أدوات التمويل الإسلامي في تمويل المشاريع الصغيرة والطاقة المتجددة.

لروّاد الأعمال:

  • تطوير قدرات قياس الأثر بشكل دقيق واحترافي.
  • التركيز على قطاعات حيوية مثل التعليم، الصحة، والطاقة.

استثمار يليق بالمنطقة 

الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست بحاجة إلى تقليد نماذج جاهزة. المنطقة تملك ما هو فريد: كتلة شبابية ضخمة، زخم تقني متصاعد، أموال سيادية تبحث عن أثر، ونماذج تمويل تتماشى مع القيم مثل التمويل الإسلامي.

الفرصة ليست في خلق قطاع “استثمار هادف” منعزل، بل في دمج البُعد الاجتماعي والبيئي داخل كل استثمار وكل مشروع ناشئ. عندما تتعاون الصناديق السيادية مع صناديق رأس المال الجريء، وتدعمها أدوات التمويل المتوافقة مع الشريعة، يمكن للمنطقة أن تُحوّل فجوة التمويل إلى فرصة تنموية حقيقية.

النسبة المتواضعة التي تستقطبها المنطقة اليوم من التمويل العالمي (2%) ليست قدَرًا ثابتًا. بتنسيق الجهود، يمكن قلب المعادلة بسرعة، وجعل المنطقة واحدة من أهم وجهات الاستثمار الهادف في العالم.

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.