في مطلع القرن العشرين، كانت الصورة الفوتوغرافية حِكرًا على المتخصصين. أجهزة ثقيلة، إعدادات معقدة، وتجهيزات تستغرق ساعات.
لكن في عام 1888، غيّر جورج إيستمان القواعد، حين أطلق أول كاميرا “كوداك” بسعر 25 دولارًا، مع وعد بسيط: “أنت تضغط على الزر، ونحن نتولى الباقي”.
لم يكن الاسم “Kodak” يحمل معنى محدد، بل وُلد من حب إيستمان لحرف K الذي وجده قويًا ومميزًا.
ذلك الابتكار لم يكن مجرد منتج، بل كان بداية ثورة جعلت التصوير هواية شعبية، ونقلت الكاميرا من استوديوهات المحترفين إلى أيدي العامة.
قرن من السيطرة
خلال عقود، تحولت كوداك إلى إمبراطورية.
في سبعينيات القرن الماضي، كانت تسيطر على 90% من سوق الأفلام الفوتوغرافية و85% من مبيعات الكاميرات في الولايات المتحدة.
أغنية “Kodachrome” لأسطورة الغناء بول سايمون، التي تصدرت قوائم الأغاني عام 1973، لم تكن مجرد لحن ناجح، بل كانت إعلانًا غير رسمي عن هيمنة كوداك على عالم التصوير.
الخطأ الذي غيّر كل شيء
عام 1975، قدّم أحد مهندسي كوداك أول نموذج لكاميرا رقمية في العالم.
لكن المفارقة المذهلة أن الشركة نفسها التي اخترعت هذه التقنية، قررت دفنها في الأدراج.
السبب؟ الخوف من أن تؤدي الكاميرات الرقمية إلى انهيار سوق أفلام التصوير، الذي كان مصدر أرباحها الرئيسي.
قرار بدا حينها منطقيًا، تحوّل إلى فخ قاتل.
فبينما كانت شركات أخرى، مثل سوني ونيكون، تسابق الزمن لتطوير التكنولوجيا الرقمية، ظلت كوداك تراهن على الفيلم التقليدي، وكأن الزمن سيتوقف احترامًا لماضيها.
الانهيار البطيء
مع دخول الألفية، أصبح التصوير الرقمي هو القاعدة، والفيلم التقليدي مجرد خيار نوستالجي لعشاق الكلاسيكيات.
كوداك، التي لم تعد اللاعب الرئيسي في السوق، بدأت تفقد حصتها عامًا بعد عام، حتى أعلنت في 2012 إفلاسها رسميًا، مع ديون بلغت 6.75 مليار دولار.
كانت تلك لحظة سقوط إمبراطورية… ليس لأن العالم تخلى عن التصوير، بل لأن كوداك لم تتخلَّ عن ماضيها.
محاولات للبقاء
بعد الإفلاس، حاولت كوداك إعادة اختراع نفسها.
في 2020، حصلت على فرصة غير متوقعة حين طلبت الحكومة الأمريكية منها تصنيع مكونات دوائية، ما رفع أسهمها بشكل صاروخي لدرجة تعطيل التداول عشرين مرة في يوم واحد.
لكن هذه الومضة لم تتحول إلى إنقاذ حقيقي.
اليوم، ورغم استمرارها في إنتاج أفلام السينما وبعض المواد الكيميائية، تحذر كوداك مستثمريها من أنها قد لا تتمكن من سداد نصف مليار دولار من التزاماتها المقبلة، ما يثير الشكوك حول قدرتها على الاستمرار.
العبرة من القصة
قصة كوداك ليست مجرد حكاية عن شركة خسرت السوق… بل درس عميق في إدارة التغيير.
الابتكار وحده لا يكفي، فالشجاعة لتبني التغيير، حتى لو كان على حساب نجاحك الحالي، هي ما يحافظ على بقائك.
كوداك اخترعت المستقبل، لكنها لم تؤمن به، فتركته لغيرها.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.