في تصعيد جديد يعكس توجهاته الحمائية والتفاوضية الصارمة، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على أي دولة تتبنى ما وصفه بـ”السياسات المعادية لأمريكا” ضمن مجموعة البريكس، متوعدًا أيضًا بفرض رسوم تصل إلى 100% إذا أقدمت تلك الدول على إصدار عملة موحدة تنافس الدولار الأمريكي.
تهديدات صريحة بلا استثناءات
قال ترامب، عبر منشور على منصته “تروث سوشيال“:
“أي دولة تتبنى سياسات البريكس المعادية لأمريكا ستُفرض عليها رسوم جمركية إضافية بنسبة 10%. لن تكون هناك استثناءات لهذه السياسة.”
ورغم لهجته الحادة، لم يوضح الرئيس الأمريكي المقصود بـ”السياسات المعادية لأمريكا”. إلا أنه عاد لاحقًا ليضيف في منشور آخر:
“انتهت فكرة أن دول البريكس تحاول التخلي عن الدولار بينما نقف مكتوفي الأيدي.”
مؤكدًا أنه سيفرض رسومًا جمركية تصل إلى 100% على الدول الأعضاء إذا قررت إنشاء عملة موحدة بديلة للدولار، قائلًا: “يمكنهم البحث عن مغفل آخر.”
قمة غابت عنها الصين وبوتين ظهر بالفيديو
يأتي ذلك بينما تعقد قمة البريكس الحالية في ريو دي جانيرو بحضور قادة المجموعة باستثناء الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي أرسل رئيس مجلس وزرائه لي تشيانغ لتمثيل بكين لأول مرة منذ توليه الرئاسة في 2012، دون توضيح أسباب الغياب. كما غاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحضور الشخصي، وشارك عبر الفيديو بسبب مذكرات التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية.
توسع البريكس ومخاوف أمريكية
تضم مجموعة البريكس الآن كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات وإندونيسيا، وتمثل نحو نصف سكان العالم. وتزايد الحديث داخل التكتل العام الماضي عن إطلاق عملة موحدة بديلة للدولار لتقليل الهيمنة الأمريكية على النظام المالي العالمي، وهو ما تنظر إليه واشنطن كتهديد مباشر لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
انتقادات دول البريكس للسياسات الأمريكية
في المقابل، أصدرت دول البريكس بيانًا أدانت فيه ما وصفته بسياسة ترامب “العشوائية” في فرض الرسوم الجمركية، وأعربت عن “مخاوف جدية إزاء الإجراءات الأحادية التي تشوه التجارة وتتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية، وتؤثر على آفاق التنمية الاقتصادية العالمية.”
بوتين: العولمة الليبرالية أصبحت بالية
وفي كلمة مسجلة خلال القمة، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن “نموذج العولمة الليبرالية أصبح باليًا”، مشيرًا إلى تحول النشاط التجاري نحو الأسواق الناشئة، وحث على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والموارد الطبيعية والخدمات اللوجستية والتجارة والتمويل.
مودي: البريكس لقيادة الجنوب العالمي
من جانبه، شدد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على ضرورة أن تقود البريكس دول الجنوب العالمي في عالم متعدد الأقطاب، لافتًا إلى الهجوم الإرهابي الذي وقع في كشمير وأدى إلى مقتل 26 شخصًا، ودعا إلى التكاتف لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، بما في ذلك تمويله وتوفير الملاذات الآمنة للإرهابيين.
إصلاح صندوق النقد
وفي تحدي جديد للهيمنة الأمريكية الأوروبية على نظام التصويت بصندوق النقد الدولي، وسيطرتهم عليه وفق لمصالحهم، أصدر وزراء مالية دول مجموعة البريكس، التي تضم الاقتصادات الناشئة، اقتراحًا مشتركًا بشأن إصلاح صندوق النقد الدولي، يتضمن توزيعًا جديدًا لحقوق التصويت وإنهاءً لتقليد الإدارة الأوروبية في القيادة.
يمثل البيان المشترك الصادر عن وزراء مالية المجموعة المرة الأولى التي تتفق فيها دول البريكس على موقف موحد بشأن الإصلاحات المقترحة. واتفقوا على دعم الاقتراح المشترك في اجتماع مراجعة صندوق النقد الدولي المقرر عقده في ديسمبر، والذي سيناقش تغييرات على نظام الحصص الذي يحدد المساهمات وحقوق التصويت.
وأكد بيان وزراء مالية مجموعة البريكس على أن “تعديلات الحصص يجب أن تعكس الوضع النسبي للأعضاء في الاقتصاد العالمي، مع حماية حصص أفقر الأعضاء”.
وبناءً على ذلك، اقترحت مجموعة البريكس صيغة جديدة تعتمد على الناتج المحلي الإجمالي، وتعادل القوة الشرائية، والقيمة النسبية للعملات، مما من شأنه أن يُسهم في زيادة حقوق التصويت للدول النامية.
كما شدد الوزراء على ضرورة إصلاح عملية الاختيار وتعزيز التمثيل الإقليمي في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي. وجرت العادة أن يشغل أوروبي منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي، بينما تُعيّن الولايات المتحدة رئيس البنك الدولي.
الرسوم الجمركية: أداة ترامب المفضلة
تُعد الرسوم الجمركية أداة مركزية في استراتيجية ترامب الاقتصادية، حيث يرى فيها وسيلة لحماية الصناعة والوظائف الأمريكية وزيادة الإيرادات، رغم أن خبراء الاقتصاد يشيرون إلى أن الشركات الأمريكية والمستهلكين هم من يتحملون العبء الفعلي لهذه الضرائب.
وسبق لترامب أن فرض رسومًا جمركية خلال ولايته الأولى على الصين ودول أخرى، واحتفظ خلفه الرئيس بايدن بمعظمها. وتشير تحليلات اقتصادية إلى أن التهديدات الحالية جزء من تكتيكاته التفاوضية لانتزاع تنازلات تجارية وجيوسياسية، وهو ما أكده مقربون منه، بينهم سكوت بيسنت مرشحه لوزارة الخزانة، الذي وصف استراتيجية ترامب بأنها “تصعيد للتهدئة”.
تهديدات ترامب الأخيرة ضد دول البريكس تكشف عن توجه أكثر تصادمًا تجاه التكتل الذي يسعى لتوسيع نفوذه المالي بعيدًا عن الدولار. وبينما يلوّح بفرض رسوم قد تصل إلى 100%، يبقى السؤال: هل عكست القمة الحالية خضوعها لإرادة “ترامب” أم هي مناورة لكسب بعض الوقت لبدء حرب اقتصادية كبرى بين العم سام والدب الروسي الذي يقاتل بجانبه بجانب التنين الصيني؟
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.