فجأة وبدون أي مقدمات بعد خروج العراق النسبي من دوامة التوترات السياسية والأمنية، نجد أبراجًا سكنية تُشيد ومراكز تسوق جديدة، وتطوير للمطارات والموانئ، وخطط لطرق جديدة، وتحديث للقطاع الزراعي، فضلًا عن تعزيز العلاقات التجارية مع جيرانه والغرب، بالإضافة إلى جذب سلسلة من الاستثمارات المتنوعة في العديد من المجالات، في مشهد حير الكثير، وفرض علينا معرفة حقيقة المشهد الاقتصادي العراقي، وما يشهده من تطورات خلال السنوات الأخيرة.
البيئة الاقتصادية
تُشكل صادرات النفط أساس الناتج المحلي الإجمالي للعراق. نما الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 7% في عام 2022، وانكمش بنسبة 2% في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو بشكل معتدل في عام 2024؛ بلغ معدل التضخم العام 4.4% في عام 2022 و4.0% في عام 2023، ويتسم جزء كبير من الاقتصاد غير الحكومي وغير النفطي بأنه غير رسمي، ويعتمد على النقد، ونابض بالحياة.
63 مليار دولار استثمارات أجنبية خلال عام ونصف فقط
أعلن رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، الدكتور حيدر محمد مكية، عن تحقيق العراق تدفقًا استثماريًا نوعيًا بلغ حوالي ٦٣ مليار دولار كاستثمارات أجنبية مباشرة خلال عام ونصف فقط. وأوضح أن هذه الاستثمارات التي توزعت على قطاعات متعددة تمثل فرصة كبيرة لتحسين تصنيف العراق عالميًا كوجهة جاذبة للاستثمار. كما أكد أن دخول شركات عالمية مرموقة من مختلف الجنسيات يعكس جاذبية السوق العراقية الواعدة، خاصة في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والنفط والغاز المصاحب.
شهدت العراق سلسلة من الصفقات الاستثمارية خلال العامان الأخيران، والتي بلغت قيمتها حوالي 100 مليار دولار، ومن ضمنها:
شراكة السويدي إلكتريك بقيمة 5 مليارات دولار
تُعد شراكة العراق مع شركة السويدي إلكتريك المصرية، والتي تشمل استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار، ولا يقتصر هذا العقد على توفير رأس مال كبير فحسب، بل يشمل أيضًا إنشاء ثلاث مدن صناعية في جميع أنحاء العراق.
يتضمن هذا التعاون إنشاء صندوق استثماري عراقي-دولي متخصص، يُركز على الصناعات عالية التقنية والتطورات التعليمية. صُممت المدن الصناعية لجذب المزيد من المستثمرين الأجانب، وتوفير فرص العمل، وتحفيز المشهد الاقتصادي العام للعراق.
إنشاء “صندوق التوطين” للمشاريع الاستراتيجية
في إطار شراكة السويدي، أطلق العراق “صندوق التوطين”، وهو مبادرة استثمارية جديدة تهدف إلى جذب الاستثمارات المحلية والدولية. سيدعم هذا الصندوق المشاريع الاستراتيجية في مختلف القطاعات، بما في ذلك الزراعة والتصنيع والخدمات، لتقليل اعتماد العراق على النفط.
يهدف صندوق التوطين إلى تعزيز الابتكار والبدائل الاقتصادية المستدامة، والتي تُعدّ أساسية لبناء اقتصاد قوي ومرن. من خلال الاستثمار في هذه القطاعات غير النفطية، يهدف العراق إلى الاستفادة من إمكاناته الزراعية والصناعية الهائلة، مما يوفر الاستقرار الاقتصادي والنمو في المناطق التي تتجاوز قطاع النفط.
يجري حاليًا دراسة المدن الصناعية المقترحة بشكل استراتيجي في وسط وجنوب العراق لضمان سهولة وصول القوى العاملة إليها وقربها من المراكز الحضرية الإقليمية. ويجري حاليًا تقييم ثلاثة مواقع محددة، تم اختيار كل منها لإمكاناتها في دعم النمو الاقتصادي المحلي والإقليمي.
مدينة صينية
وقعت وزارة الصناعة والمعادن العراقية، عقدين مع شركة “سان جان” الصينية، مشيرًا إلى أن مشروعي المدينة الصناعية ومعمل الحديد الإسفنجي في البصرة سيسهمان في تلبية الطلب المتزايد على حديد التسليح، العقد الأول يتعلق بإنشاء معمل للحديد الإسفنجي، بينما يشمل العقد الثاني تطوير مدينة صناعية للصناعات الاستراتيجية والثقيلة بالشراكة مع الشركة الصينية، بقيمة تتجاوز ملياري دولار، وهي أول مدينة صناعية تدار من قبل شركة مستثمرة وفق قانون المدن الصناعية، رغم أن ملكيتها تعود إلى شركة عامة.
تُعد هذه المدن الصناعية جزءًا من خطة أوسع نطاقًا لجعل العراق مركزًا للصناعات الذكية والتصنيع المتقدم. ومن خلال توطين الإنتاج ودعم الصناعات القائمة على التكنولوجيا، من المتوقع أن تعزز هذه المدن المكانة الاقتصادية للعراق في المنطقة.
سلسلة من مشاريع الطاقة
أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، مؤخرًا، عن إطلاق الأعمال التنفيذية لأول مشروع في العراق لتحويل النفايات إلى طاقة، وذلك في مراسم رسمية أقيمت في منطقة النهروان. المشروع، الذي يعتمد على تقنية الحرق الكامل عالي الكفاءة، يهدف إلى توليد ١٠٠ ميجاواط من الطاقة النظيفة، مما يمثل خطوة هامة في استراتيجية الحكومة للتحول نحو الطاقة المتجددة.
المشروع، الذي من المقرر أن يكتمل خلال السنوات القليلة المقبلة، سيكون له تأثير كبير على تحسين البيئة العراقية وتقديم فرص اقتصادية جديدة من خلال خلق وظائف وتحفيز النمو في الصناعات ذات الصلة بالطاقة النظيفة.
كما أعلنت الهيئة الوطنية للاستثمار عن منح أول إجازة استثمارية لمشروع طاقة شمسية بسعة ١٠٠٠ ميجاواط لشركة “توتال إنرجي” الفرنسية. هذا المشروع يعد بادرة طموحة في قطاع الطاقة المتجددة بالعراق، حيث بدأت الأعمال التنفيذية الخاصة بالمشروع في منطقة حقل ارطاوي بمحافظة البصرة، عقب استكمال الغلق المالي.
أعلن وزير الكهرباء العراقي، زياد علي فاضل، تأهيل 16 شركة متخصصة جديدة للبنك المركزي العراقي لتركيب منظومات الطاقة الشمسية في المنازل. وقال فاضل، إن “إجمالي عدد الشركات المؤهلة لتركيب منظومات الطاقة الشمسية في المنازل ارتفع إلى 24 شركة، بعد أن تم تأهيل 8 شركات في وقت سابق”.
أعلنت وزارة الصناعة والمعادن العراقية عن توفير فرصة استثمارية لإنشاء معمل جديد لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية بطاقة سنوية تبلغ 750 ميغاواط.
قال مدير عام شركة الزوراء العامة التابعة لوزارة الصناعة العراقية، مهند جبار الخزرجي، إن “الشركة أعلنت عن فرصة استثمارية لإنشاء معمل جديد لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية، وتم اختيار شركة صينية كبرى لإبرام عقد الشراكة، ونحن الآن في مرحلة التقييم الفني”.
السابق ما هو إلا سلسلة من المشاريع العملاقة التي تشهدها البلاد، وربما يكمُن السر خلف تلك النهضة العملاقة التي بدأت تشهدها العراق هو رغبتها في تعويض ما فاتها خلال الأوقات العصيبة التي مرت بها، ولكن بالتأكيد الدافع الأكبر هنا هو رغبة قيادتها وشعبها في اللحاق بقطار التقدم الذي على ما يبدو قاربت على اللحاق به وربما قيادته يومًا ما.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.