لماذا تجاهل البعض الإعلان عن أن حوالي 85% من المساهمين في الشركة الأمريكية “Queen’s “Gambit لم يوافقوا على الاندماج مع “سويفل” وقرروا سحب أموالهم قبل إتمام الصفقة؟
في يوم 31 مارس 2022 دق جرس افتتاح بورصة ناسداك ليُعلن معها انطلاق تداول أسهم شركة “سويفل” مصرية التأسيس إماراتية المقر داخل واحدة من أكبر البورصات العالمية، ليبدأ معها الإعلام العربي وعددًا من الشخصيات البارزة سلسلة من التهاني والاشادات بما وصلت إليه الشركة من انجاز ضخم يكاد يكون الأول من نوعه على المستوى العربي، حتى أن البعض وصف مؤسسها “مصطفى قنديل” بـ “المعجزة الاقتصادية الفذة”، وفجأة ولم يكاد أن يمر ٦ أشهر حتى بدأنا نسمع عن موجات خسائر تتكبدها شركة التنقل الذكي العالمية، أعقبها موجة من تسريح بعض الموظفين، حتى وقف البعض مذهولًا مما يحدث لا يدركون السر خلف حدوث ذلك، خاصة بعد “الفرقعة” الإعلامية التي انتشرت بمجرد إدراج أسهم الشركة في “ناسداك”.
رحلة الصعود
تأسست سويفل في عام 2017 على يد “مصطفى قنديل” واثنان من زملائه وهما مع محمود نوح وأحمد صباح، وذلك بعد تخرجهم من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2015، كانت فكرتها بسيطة للغاية عبارة عن تطبيق هاتفي لطلب وسيلة التنقل، لاقت الفكرة نجاح كبير داخل مصر بسبب خدماتها المميزة وكذلك أسعارها المقبولة للعديد من فئات المجتمع، وسرعان ما وصل رأس مال الشركة إلى 40 مليون دولار خلال فترة قصيرة، لتنقل الشركة الناشئة بعد ذلك إلى دبي الإماراتية وتظل محتفظة بمكاتيها التشغيلية بمصر، لتبدأ بعدها سلسلة من التوسعات شملت عددا من الدول (السعودية وكينيا وباكستان والإمارات والأردن ونيجيريا)، بالإضافة لمصر، حتى وصل الأمر أن تعمل الشركة في 115 مدينة في 18 دولة عبر أمريكا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا وآسيا.
في منتصف عام 2021 أعلنت سويفل وشركة Queen’s Gambit الأمريكية المدرجة في بورصة ناسداك، وهي شركة استحواذات ذات غرض خاص، عن إبرام اتفاق نهائي لاندماج الشركتين معًا، وهو يحول «سويفل» إلى شركة عامة مساهمة، بقيمة تصل إلى 1.5 مليار دولار، وفي 31 مارس 2022 تم إدراج الشركة في بورصة “ناسداك” الأمريكية لتتعالى الصيحات والهتافات بدخول شركة عربية مليارية للبورصة الأمريكية الكبرى لتنافس عمالقة التكنولوجيا حول العالم، حتى تلك اللحظات كان الجميع يُهلل ويحتفل بذلك الإنجاز الكبير، ولكن.. ما لم يعلمه البعض أو لم يسعوا لمعرفته أو غاب عنهم وسط تلك الضجة الإعلامية الواسعة أن حوالي 85% من المساهمين في الشركة الأمريكية Queen’s Gambit لم يوافقوا على الاندماج مع سويفل وقرروا سحب أموالهم قبل إتمام الصفقة، لم يذكر الإعلان العربي ذلك الخبر الصغير في حجمه لكنه عظيم في تأثيره وربما أيضًا لم تقف سويفل عند ذلك الأمر طويلًا لتراجع وتبحث أسباب قرار انسحاب النسبة الأكبر من المساهمين الأمريكيين قبل الاندماج مباشرة، ولكنها استمرت في رحلة التوسع حول العالم، حتى أنها في أبريل 2022 بعد مرور أيام من استحواذها على منصة “فولت لاين” التركية، للنقل التشاركي في صفقة قدرت قيمتها بـ40 مليون دولار، مع وعد بتمويل إضافي بقيمة 25 مليون دولار، قامت سويفل Swvl بالاستحواذ على شركة Zeelo البريطانية الناشئة المتخصصة في تقديم خدمة النقل للشركات والمدارس في صفقة بقيمة 100 مليون دولار، ثم سرعان ما توسعت الشركة في عددًا من الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية مثل أسبانيا وألمانيا والأرجنتين وتركيا وبريطانيا، وكانت أشهرهم صفقة “شوتل” الإسبانية للنقل الذكي، وكذلك استحوذت أيضا على شركة “Door2door” الألمانية، ثم حصة أغلبية من شركة Viapool الأرجنتينية.
سقوط مفاجيء
كانت رحلة السقوط سريعة أيضًا مثل الهبوط، فبعد 6 أشهر فقط من تداول أسهم الشركة في بورصة ناسداك الأمريكية، فقدت سويفل ما يقرب من 95% من قيمتها السوقية وانخفض سعر تداول السهم الواحد لأقل من دولار، لتهبط قيمتها من 1.5 مليار دولار إلى 75 مليون دولار، ليتردد أن الشركة على وشك الشطب من البورصة الأمريكية الشهيرة، ليقف الجميع هنا صامتين مذهولين من ذلك السقوط المفاجيء خلال أشهر معدودة بعد وصولها للقمة، في نوفمبر 2022 قلصت الشركة العمالة بنسبة 32%، مع وقف بعض الخطوط للركاب في كينيا والأردن وومصر، ليتيقن الجميع أن هناك أزمة حقيقية تمر بها الشركة.
في 27 ديسمبر 2023، قالت شركة “سويفل” في تعليقها على تقرير نتائج أنشطتها المالية للنصف الأول من العام المالي 2023، أنها تعلن “بفخر عن إنجاز مهم” في أدائها المالي للنصف الأول من العام المالي 2023. وقد حققت الشركة تدفقات نقدية تشغيلية إيجابية وصافي أرباح، وهو ما تعتقد أنه يدل على الإكمال الناجح لبرنامج تحسين المحفظة الذي بدأ العام الماضي، خارج نطاق الشركة.
حققت الشركة –بحسب قائمتها المالية المنشورة علنًا خلال فترة النصف الأول من عام 2023 تدفقات نقدية تشغيلية بقيمة 2.2 مليون دولار، مقارنة بتدفقات تشغيلية خارجة بقيمة 76.8 مليون دولار في النصف الأول من عام 2022، وإجمالي ربح قدره 1.8 مليون دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2023، مقارنة بإجمالي خسارة قدرها 2.7 مليون دولار في النصف الأول من عام 2022.، لتعلن الشركة أنها قد وصلت إلى صافي ربح قدره 2.1 مليون دولار في عام 2023، مقارنة بخسارة صافية قدرها 161.6 مليون دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2022.
في نظرة بسيطة على تلك النتائج المالية يطرق بالنا عدة تساؤلات:
- هل يمكن أن نعتبر أن مبلغ صافي الربح الذي وصل 2.1 مليون دولار بمثابة أرباح معقولة؟
- ما رأي المساهمين في شركة المُفترض أنها مليارية تتداول أسهمها في واحدة من أكبر البورصات حول العالم بذلك المبلغ المتواضع من صافي الأرباح؟
- هل يُعقل أن تفتخر الشركة بمبلغ 2.1 مليون دولار، وتعتبر تحقيقه “إنجاز”؟
حاولنا التواصل أكثر من مرة مع “مصطفى قنديل” مؤسس “سويفل” ولكن لم نجد رد من جانبه لتحديد ميعاد للقاء صحفي يرد فيه على تلك الأسئلة ويوضح أسباب ذلك الهبوط الشديد الذي تعرضت له الشركة وأسهمها بصورة مفاجئة بعد تحولها لشركة مليارية بأشهر معدودة!
وحتى نكون على أكبر قدر من المهنية فأن مصطفى قد برر ذلك الأمر خلال لقاء إعلامي منذ 4 أشهر على أحدى الفضائيات المصرية قائلًا: “أنه قبل دخوله للبورصة بشهر حدثت حرب أوكرانيا وهناك طريقتان للدخول للبورصة أما الطرح العادي أو الاندماج مع شركة، وحظنا ان المستثمرين غيروا توجهاتهم مع الحرب، وباعوا أسهمهم بالبورصة، مما تتسبب في التأثير السلبي على الشركة، وهو ما أدى لخروج “سويفل” من أسواق انتشرت فيها بالفعل.
يضيف: “الدرس الذي تعلمناه إننا يحب أن نربح نركز على الربح بصورة أكثر، وينبغي أن نتوسع على قدر إمكانياتنا”.
تظل قصة صعود وهبوط شركة “سويفل” درسًا مهمًا لكل رائد أعمال يخطو خطوات سريعة نحو التوسع وسط ضجيج الإعلام ومانشتات الصحف وأضواء الاستوديوهات اللامعة وصيحات السوشيال ميديا المبنية في العالم الافتراضي، بدون أن يضع خطط احتياطية لأزمات طارئة يُمكن أن تتعرض لها أنشطته غدًا، بالتأكيد تظل قصة “سويفل” تجربة مفيدة ومُثمرة لمجموعة شباب استطاعو تأسيس مشروع ناشيء وصلت قيمته 1.5 مليار دولار، وسطع في سماء أكبر البورصات العالمية، ونال ثقة مستثمرين كبار ولو حتى كان ذلك لوقت قصير، وربما يكون حظ “مصطفى” والعديد مثله من رواد الأعمال الذين خرجوا من نفق جائحة “كورونا” المُظلم، ليواجهوا تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، ثم يدخلوا في أزمات سلاسل التوريد، ليواجهوا بعدها انسحاب المستثمرين من تمويل شركات ناشئة بعد رفع أسعار الفائدة الأمريكية، ثم تأتي الضربة المؤلمة حرب إسرائيل وحماس لتقلب خططهم الاقتصادية رأسًا على عقب وتلقي بهم في النفق المُعتم مرة أخرى، في النهاية يبقى سؤال هام لن يستطيع أن يجيبه أي شخص سوى من يقرأ تلك السطور، هل يمكن أن تستعيد “سويفل” أو أي شركة ناشئة مرت بتجربتها ثقة المستثمرين والمساهمين مرة أخرى بعد تعرضها لهزات وأزمات عنيفة؟.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.