fbpx

عن البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.. ضرورة الشراكة

عن البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.. ضرورة الشراكة

يعد القطاع المصرفي بطيئا في تبني التقنيات الحديثة. ويرجع هذا لصعوبة مواكبة البنوك للتطورات المتلاحقة في عالم التكنولوجيات، نتيجة التزامهم بعدد ضخم من الالتزامات القانونية والتشريعية الخاصة بالبنوك المركزية. إضافة إلى أن الموافقات الداخلية داخل البنوك لتنفيذ أي تقنية حديثة تتطلب وقت طويل. على النقيض، فإن شركات التكنولوجيا المالية (فنتك) تشكل قطاعا فتيا يسعى لاستخدام التكنولوجيا من أجل تحسين الخدمات المالية. نتيجة لطريقة عملهم المرنة، وخضوعهم لقوانين وتشريعات أقل من البنوك يجعل هذه الشركات الناشئة قادرة على جذب العملاء بأسعار تنافسية وخدمات جيدة للعملاء، وهي الأمور التي تخلق لها ميزتها التنافسية. 

كما أن شركات التقنية المالية تمتلك أنظمة حديثة على عكس البنية التحتية القديمة نسبيا المتواجدة بالبنوك مما يمكن تلك الشركات من تبني الابتكارات بشكل أسرع. في ذات الوقت، فإن البنوك اكتسبت ثقة عملاءها على مدار سنوات طويلة من العمل على خدمتهم، فكيف يمكن أن نجمع مزايا الكيانين؟ البعض يعتقد أن شركات التقنية المالية هي منافسة  للبنوك، والبعض الآخر يعدهما متكاملان، يكمل أحدهما عمل الآخر. أنا أتفق بشدة مع الرأي الثاني. وذلك من خلال خبرتي التي اكتسبتها من العمل في فوري (كإحدى شركات التكنولوجيا المالية) منذ نشأتها وحتى صعودها كشركة قيمتها مليار دولار، ففي هذه السلسلة ذات الثلاثة أجزاء سأحاول أن أشرح كيف يمكن للبنوك وشركات التكنولوجيا المالية التعاون سويا، من أجل فتح المجال أمام شركات التكنولوجيا المالية. 

 لماذا على شركات التكنولوجيا المالية التعاون مع البنوك؟

دعونا في البداية نشرح لماذا على شركات التكنولوجيا المالية التعاون مع البنوك. أولا الشراكة مع المؤسسات المالية نمنح الشركات الناشئة القدرة على الحصول على التمويل اللازم للنمو المستقبلي. ثانيا فإن التعاون المشترك سيؤدي إلى قدرة الشركات الناشئة على التوسع والبقاء على المدى الطويل من خلال الشراكة مع اللاعبين القدامى في القطاع المصرفي، ثالثا الشراكة مع البنوك تسهل للشركات الناشئة الوصول إلى عدد ضخم من العملاء وجلب عملاء جدد بسهولة. رابعا، البنوك تحظى بالثقة، والعملاء يثقون في البنوك أكثر من الشركات الناشئة وبالتالي، فحين تربط شركة ناشئة اسمها مع بنك، يزيد هذا من مصداقيتها لدى العملاء، كما سيروج للشركة لاكتساب عملاء جدد ويحسن من سمعتها. خامسا، البنوك أيضا لديها معرفة متفردة بعملائها بسبب القوانين التي تجبرها على معرفة معلومات محددة عن هؤلاء العملاء، وقدرتهم على الوصول إلى كمية كبيرة من المعلومات حول كل عميل ووضعه المالي. هذا بدوره يتيح للشركات الناشئة أن تصمم حلولا مناسبة ومصممة خصيصا لعملاء هذه البنوك. 
سادسا، فإن البنوك أيضا لديها عقود من الخبرة الطويلة في حساب المخاطرة، واتباع القوانين والإجراءات الأمنية. وبالتالي فإن البنوك تستطيع مساعدة شركات التكنولوجيا المالية في التعامل مع القوانين المصرفية. وأخيرا، البنوك لديها البنية التحتية اللازمة لعمل الشركات الناشئة، مثل كيفية التعامل مع التحويلات، والتسويات، وتداول الأوراق المالية، وغيرها. كل هذه الأسباب قادت الشركات الناشئة لإدراك أن التعاون مع البنوك يعد خطوة ضرورية لابد منها للتوسع والنمو. 

لماذا تشعر البنوك بالقلق من صعود ونمو شركات التكنولوجيا المالية؟ 

بعض البنوك تعتبر شركات التكنولوجيا المالية منافسين لها بشكل مباشر. هذه البنوك قد تنافس شركات التكنولوجيا المالية وجها لوجه، وهو ما قد يوفر للعملاء خدمات مالية أرخص وأكثر على المدى القصير. ولكن في رأيي لن يكون هذا التوجه ناجحا، على المدى الطويل ، لأن مؤسسة ضخمة واحدة، كبنك كبير، لن تستطيع توفير كل الخدمات المالية التي يتمناها العملاء. 

بنوك أخرى تتخذ شكلا حذر، لخوفها من أن إدماج خدمات شركات التكنولوجيا المالية ذات الأنظمة الحديثة مع نظمها العتيقة، قد يؤدي إلى مخاطر غير محسوبة، ومشكلات في التحويلات والعمليات، فضلا عن المخاطر السيبرانية وغيرها. ولكن هذه المخاوف يمكن معالجتها بسهولة من خلال إضافة واجهة لتكامل الأنظمة مصممة بدقة من أجل تكامل سلس وسريع وآمن بين أنظمة البنك و أنظمة شركات التكنولوجيا المالية. 

أما السبب الأكثر منطقية، في رأيي، والذي يجعل بعض البنوك تقاوم التعاون مع الشركات الناشئة، هو الخوف من التنافس على ملكية العملاء، فالطرف الذي يدير العلاقة مع العملاء لن يحصد فقط النسبة الأكبر من الأرباح بالإضافة لولاء العملاء، بل سيحصل أيضا على بيانات تفصيلية للعملاء من خلال دراسة سلوك العميل أثناء استخدام التطبيقات، والتي ستساعد على تقديم خدمات أفضل، وزيادة فرص الشركات في الترويج للمزيد من خدماتها بين هؤلاء العملاء.  

إذا، لماذا على البنوك أن تتحالف مع شركات التكنولوجيا المالية؟

الدافع الرئيسي في هذا التحالف هو تغير احتياجات العملاء، الذين صاروا يطالبون بخدمات مالية أكثر سلاسة وأكثر تطورا تناسب احتياجاتهم المتغيرة يوما بعد يوم . فضلا عن ذلك فإن العملاء يطالبون بخدمات متعددة يمكنهم الولوج إليها من خلال قنوات استخدام مختلفة. وهذا يتطلب خبرة تصميم منتجات تتركز على احتياجات العميل. وهو الأمر الذي نجحت فيه شركات التكنولوجيا المالية حيث استطاعت أن تجذب العديد من العملاء بسبب نجاحها في تقديم خدمات مبتكرة ومتطورة لملاقاة احتياجات العملاء. 

سبب آخر لضرورة هذا التحالف هو التطور التكنولوجي السريع الذي يحدث حاليا مثل إنترنت الأشياء، وتحليلات البيانات الضخمة، والقدرة على تحليل سلوك العملاء وقتيا، والذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، وغيرها. يستحيل على البنوك أن تستثمر في كل ذلك في نفس التوقيت. ولكن التحالف مع شركات متخصصة هو ضرورة من أجل أن تبقى هذه البنوك في موضع جيد من كل هذه التطورات.  ولذلك فإن بعض البنوك تتحالف مع شركات التكنولوجيا المالية بهدف تعهيدها بتنفيذ الخدمات التقنية الحديثة كنوع من تنفيذ جزء من خطة البنوك للتحول الرقمي بشكل سريع خارج إطار البنك. ولذلك أعتقد أن أهم عامل للبنوك كي  تحافظ على ميزتها التنافسية في الأسواق، يجب أن يكون من  خلال التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية التي تبتكر، أو ابتكرت بالفعل، خدمات مالية أفضل من المتوافرة حاليا. في مقالي القادم، سأشرح الأشكال المختلفة من التعاون المطلوب.

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.