fbpx

نموذج مستدام وبديل عن الرأسمالية .. ماذا تعرف عن اقتصاد “الدونات”؟

نموذج مستدام وبديل عن الرأسمالية .. ماذا تعرف عن اقتصاد “الدونات”؟

نشرت خبيرة الاقتصاد الإنجليزية  والبروفيسورة في جامعة أوكسفورد وكامبريدج، كيت راورث، في عام ٢٠١٢ ورقة بحثية وضحت بها لأول مرة النظرية التي أسمتها اقتصاد “الدونات”، وفي عام ٢٠١٧، أصدرت أول كتاب يتناول بشكل كامل هذه النظرية وتفسيراتها وفرضياتها، فما هو اقتصاد “الدونات”؟ 

مجتمع “الدونات”

تدافع نظرية اقتصاد الدونات عن فكرة التنمية الاقتصادية المستدامة، إذ ترى راورث أن النظريات الاقتصادية الكلاسيكية تتعامل بشكل نفعي بحت مع البيئة، فلا يوجد اهتمام بالأجيال المستقبلية، أو أدنى صورة من صور الاستهلاك الرشيد، وعلى الرغم من ذلك كله، لم تنجح تلك النظريات في تحقيق أهدافها، حيث نجد حتى في أغنى دول العالم نسبة من الفقر لا يمكن التغافل عنها، وبالتالي تتميز هذه النظرية بوجود بُعد انساني يضع في الاعتبار العوامل البيئية والاجتماعية ولا يقتصر فقط على تحقيق أقصى قدر من الزيادة في معدلات الناتج المحلي الإجمالي وغيرها.

تمثل نظرية اقتصاد الدونات تشبيها بسيطا لمجتمع متطور اقتصاديا بقطعة الحلوى المستديرة “الدونات”، إذ يمثل الجزء الخارجي منها أقصى حد يمكن تجاوزه في التعامل مع البيئة واستهلاكها، بينما يمثل الجزء الداخلي الحد الأدنى من المستوى المعيشي الذي يجب ألا نقل عنه، حتى لا يتهاوى الأفراد داخل الفجوة الصغيرة التي تمثل الحياة تحت خط الفقر.

يمكن تلخيص أهم ما تقوم عليه النظرية كالآتي:” يزدهر المجتمع والاقتصاد عندما نحقق القدرة على تلبية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية للأفراد في آن واحد”.

تم تأسيس منظمة تدعم الأنظمة والشركات الراغبة في التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة وعدلا في عام ٢٠١٩،  باسم Doughnut Economics Action Lab والمعروفة اختصارا باسم DEAL.

نموذج لاقتصاد ما بعد كورونا

تعاني معظم الدول حول العالم اقتصاديا كنتيجة مباشرة لجائحة كورونا، وفي هذا السياق أعلنت حكومة مدينة أمستردام الهولندية في إبريل من العام الماضي أنها ستتعافى من الأزمة الاقتصادية، ومن الأزمات المستقبلية كذلك من خلال تبني نظرية اقتصاد الدونات.

تهدف حكومة أمستردام إلى تحقيق التوازن بين نمط الحياة المناسب لسكانها وبين الحفاظ على الموارد البيئية، من خلال دعم مشروعات للبنية التحتية وخطط توظيف جديدة، وسياسات جديدة للعقود الحكومية، وذلك بالتعاون مع منظمة DEAL.

رغم أن أمستردام تعد أول عاصمة كبيرة تتبنى هذه النظرية بشكل واقعي، إلا أن راورث تؤكد أن منظمة DEAL قد تلقت بالفعل عددا كبيرا من طلبات الشراكة والمساعدة من قبل قادة عدد من المدن الكبيرة مثل كوبنهاجن، وبروكسل، ومدينة دنيدن في نيوزيلاند، بالإضافة إلى مدينة بورتلاند في ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية.

لاقت النظرية دعما وتشجيعا كبيرا حيث أعلن البابا فرانسيس بابا الفاتيكان دعمه لهذه النظرية، كما خصص لها عالم الطبيعة البريطاني الشهير السير “ديفيد أتينبورو” فصلا مستقلا في كتابه الأخير للحديث عن أهمية هذه النظرية في تحقيق الاستدامة البيئية في كوكبنا.

واجهت النظرية عدة انتقادات تتمثل في كونها نظرية مجردة للغاية ولن تستطيع أن تجاري نجاح النظرية الاقتصادية الكلاسيكية في توفير عدد ضخم من فرص العمل، وتنمية اقتصادات الدول من زاوية كمية، كذلك يرى البعض أن الاقتصاد لابد وأن يتعلق بالسياسة، ونظرية الدونات لا يمكنها توفير حلول تلائم الإيديولوجيات السياسية المختلفة وفق كل دولة.

يراهن عدد من الاقتصاديين وقادة بعض المدن، بالرغم من الانتقادات، على نجاح هذا النموذج الاقتصادي في تحقيق الاستدامة لأجيال المستقبل، وتوفير مستوى المعيشة المناسب للأفراد دون الإضرار بفئة على حساب الأخرى، بل ويرى البعض أنه قد يحل محل نموذج الاقتصاد الرأسمالي، فهل يمكن أن يتحقق مثل هذا النموذج على أرض الواقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما تعانيه من مشكلات اقتصادية جراء أزمة كورونا؟

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.