fbpx

هل بدأت هجمات البحر الأحمر تُشكل تهديدًا خطيرًا على الاقتصاد العالمي؟

هل بدأت هجمات البحر الأحمر تُشكل تهديدًا خطيرًا على الاقتصاد العالمي؟
صورة تعبيرية

“نعتذر لكم لا يوجد قهوة لدينا”.. تلك العبارة كتُبت على باب إحدى محال القهوة الأوروبية منذ ما يقارب من الثلاث سنوات، بالتحديد خلال تعطل السفينة EVER GIVEN ” في مارس ٢٠٢١ بالمجرى الملاحي لقناة السويس، وتسبب ذلك الحادث وقتها في التهديد بحدوث أزمة عالمية في سلاسل التوريد، والآن ربما تعود قناة السويس للواجهة مرة أخرى بعد تأثرها بالحرب بين إسرائيل وحماس من خلال هجمات البحر الأحمر التي أدت إلى وقف عدة شركات نقل وشحن عالمية مرور سفنها عبر ذلك الممر المائي الحيوي، ويشير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى ذلك من خلال تحذيره من حدوث حوالي 80 حادثًا على سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن في الفترة ما بين 19 نوفمبر 2023 و9 فبراير 2024، وهو ما أثر على المجرى الملاحي للبحر الأحمر، الذي تمر منه نحو 30% من حركة الحاويات في العالم.

شركات الشحن العالمية

منذ نهاية ديسمبر الماضي قامت عدة شركات شحت وخدمت لوجستية ونقل بحري عالمية بالإعلان عن وقف أنشطتهم عبر البحر الأحمر ونقلها لممر بديل (رأس الرجاء الصالح) تخوفًا من الهجمات على السفن وحاويات النقل البحرية التي بدأت في التطور السريع في البحر الأحمر.

يقول “نيلز هابت”، مدير الاتصالات، في شركة النقل متعددة الجنسيات “هاباغ لويد”، والتي يقع مقرها في ألمانيا، لقد أوقفنا منذ 21 ديسمبر مرور السفن عبر البحر الأحمر، حيث تعرضت إحدى سفننا لهجوم في 18 ديسمبر الماضي، ولا نعتبر المرور عبر البحر الأحمر آمنًا منذ ذلك الحين، حيث نتجنب البحر الأحمر ونضطر إلى الإبحار حول رأس الرجاء الصالح.

أما “تيم سيفرت”، مدير التحرير القسم الإعلامي في ” هاباغ لويد” يؤكد في تصريحات حصرية لـ “واية”، تسببت هجمات البحر الأحمر في تحمل شركات الشحن بملايين الدولارات الإضافية كل شهر، إلا أنه في نفس الوقف مازالت هناك شركات شحن تستخدم ممر البحر الأحمر في الوقت الذي توقف البعض الآخر عن استخدامه.

وعن تكلفة المرور بطريق رأس الرجاء الصالح، يضيف “سيفرت”: “أنه من المؤكد أن إعادة توجيه سفننا عبر رأس الرجاء الصالح ليس هو الحل المفضل لدينا، في حين أن ذلك يأتي مصحوبًا بتكاليف إضافية وأوقات عبور أطول لسفننا، حيث إنه اعتمادًا على سرعة سفننا، نحتاج إلى حوالي 10 أيام أطول على الطريق من سنغافورة إلى روتردام مقارنة بالرحلة عبر قناة السويس. وفي غضون ذلك، قمنا بتكييف شبكتنا قدر الإمكان وتوفير المزيد من السعة”.

شركة “ميرسك” العالمية، للنقل البحري، التي يقع مقرها في الدنمارك، كانت قد أصدرت في مطلع يناير ٢٠٢٤ عبر موقعها الإلكتروني تنويه أعلنت فيه أنها ستوقف مؤقتًا جميع السفن المتجهة إلى البحر الأحمر / خليج عدن في ضوء الحادث الأخير الذي تعرضت له الشركة والتطورات المستمرة في المنطقة، حيث إن الوضع يتطور باستمرار ويظل متقلباً للغاية، وجميع المعلومات الاستخبارية المتاحة تؤكد أن المخاطر الأمنية لا تزال عند مستوى مرتفع بشكل ملحوظ. ولذلك قررنا أن جميع سفن ميرسك المقرر أن تعبر البحر الأحمر / خليج عدن سيتم تحويلها جنوبا حول رأس الرجاء الصالح في المستقبل المنظور.

من جهتها أعلمت مجموعة CMA CGM (سي.إم.إيه سي.جي.إم) الفرنسية، عملائها عبر موقعها الإلكتروني مطلع فبراير الحالي، أنه اعتبارًا من 1 فبراير 2024 وحتى إشعار آخر، فإن جميع الخدمات التي يتم توجيهها في البداية عبر ممر البحر الأحمر ستتبع الآن مسار رأس الرجاء الصالح.

يبدو أن الأمر جعل شركة سعودية تعمل في مجال النقل والخدمات اللوجستية تسمي “الجهات الأربع“، تُعلن مؤخرًا عن توفيرها حلولاً لوجستية جديدة تضمن توفر خدمات الشحن الدولي في كل من المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية؛ وذلك لمواجهة التحديات التي يشهدها القطاع اللوجستي بسبب الأحداث الراهنة في البحر الأحمر، حيث حددت الشركة عدة مسارات بديلة  تتضمن من ميناء جبل علي في دبي إلى الرياض: يستغرق المسار 3 أيام، من ميناء الملك عبدالعزيز في الدمام إلى جدة: يستغرق المسار 3 أيام، من ميناء الملك عبدالعزيز في الدمام إلى الرياض: يستغرق المسار يومين، من ميناء جبل علي إلى الأردن: يستغرق المسار 7 أيام. في محاولة منها لجذب عملاء قد يعتقدون أن البحر الأحمر لم يعد أمنًا لعبور بضائعهم التجارية.

قناة السويس

تعتبر قناة السويس واحدة من أهم ممرات الملاحة العالمية، وتعد المصدر الثاني للدخل القومي المصري، وبالتأكيد تأثرت إيرادات القناة بأحداث البحر الأحمر التي تلت حرب إسرائيل وحماس، فمنذ أيام قليلة أشار الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”؛ خلال معرض مصر الدولي للطاقة “ايجبس 2024″، إلى أن الممر الملاحي لقناة السويس كان يحقق إيرادات سنوية لمصر حوالي 10 مليارات دولار، قد تراجع بنسبة 40 إلى 50٪.

من جهته قال رئيس هيئة قناة السويس المصرية، الفريق “أسامة ربيع”، في تصريحات إعلامية، أن 1362 سفينة عبرت القناة في يناير من هذا العام، مقابل 2155 سفينة في يناير 2023، بانخفاض 36٪.

نشر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، تقريرًا على موقعه الرسمي منذ أيام قلية، أشار فيه إلى “تحديات غير مسبوقة للتجارة العالمية تؤثر على ملايين الأشخاص بسبب اضطرابات البحر الأحمر“، حيث أوضح التقرير أنه في أعقاب الهجوم الأخير على الشحن البحري، تعطلت طرق التجارة البحرية في البحر الأحمر عبر قناة السويس بشدة مما أثر بشكل أكبر على مشهد التجارة العالمية. ويؤدي هذا التطور إلى تفاقم الاضطراب المستمر في البحر الأسود بسبب الحرب في أوكرانيا، مما أدى إلى تحولات في طرق تجارة النفط والحبوب.

وتشير تقديرات” الأونكتاد” إلى أن عمليات العبور عبر قناة السويس انخفضت بنسبة 42% مقارنة بذروتها. ومع قيام اللاعبين الرئيسيين في صناعة الشحن بتعليق عبور السويس مؤقتًا، انخفض عبور سفن الحاويات الأسبوعية بنسبة 67%، وشهدت القدرة الاستيعابية للحاويات وعبور الناقلات وناقلات الغاز انخفاضًا كبيرًا. وفي الوقت نفسه، انخفض إجمالي عمليات العبور عبر قناة بنما بنسبة 49% مقارنة بذروتها.

إن تصاعد حالة عدم اليقين وتجنب قناة السويس لتغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح له تكلفة اقتصادية وبيئية، وهو ما يمثل أيضًا ضغوطًا إضافية على الاقتصادات النامية، ومع نموها بشكل ملحوظ منذ نوفمبر 2023، سجلت الزيادة في متوسط أسعار الشحن الفوري للحاويات أعلى زيادة أسبوعية على الإطلاق بمقدار 500 دولار، في الأسبوع الأخير من ديسمبر. تتجنب السفن قناة السويس وبنما وتبحث عن طرق بديلة. ويترجم هذا المزيج إلى مسافات أطول لنقل البضائع، وارتفاع تكاليف التجارة وأقساط التأمين. علاوة على ذلك، تتزايد أيضًا انبعاثات غازات الدفيئة بسبب الاضطرار إلى السفر لمسافات أكبر وبسرعة أكبر للتعويض عن الانعطافات.

ويشدد “الأونكتاد” على الآثار الاقتصادية البعيدة المدى المحتملة الناجمة عن الاضطرابات الطويلة الأمد في شحن الحاويات، مما يهدد سلاسل التوريد العالمية ويحتمل أن يؤخر عمليات التسليم، مما يتسبب في ارتفاع التكاليف والتضخم. سيشعر المستهلكون بالتأثير الكامل لأسعار الشحن المرتفعة في غضون عام.

بالإضافة إلى ذلك، ترتفع أسعار الطاقة مع توقف عمليات نقل الغاز، مما يؤثر بشكل مباشر على إمدادات الطاقة وأسعارها، خاصة في أوروبا. ويمكن أن تؤثر الأزمة أيضًا على أسعار المواد الغذائية العالمية، حيث من المحتمل أن تؤدي المسافات الطويلة وارتفاع أسعار الشحن إلى زيادة التكاليف. ويشكل انقطاع شحنات الحبوب من أوروبا وروسيا وأوكرانيا مخاطر على الأمن الغذائي العالمي، مما يؤثر على المستهلكين ويخفض الأسعار المدفوعة للمنتجين.

تهديد للاقتصاد الإقليمي والعالمي

قد يخطئ من يعتقد أن هجمات البحر الأحمر. والتطورات الجيوسياسية في المنطقة تمثل تهديدًا للشرق الأوسط؛ فقط، بل تصاعدت الأصوات التي تحذر من أن الأمر قد يتحول لأزمة اقتصادية عالمية، ربما تهدد سلاسل الإمداد عبر مختلف مناطق العالم.

أوضح تقرير نشره البنك الدولي على مدونته في يناير الماضي تحت عنوان “تغيير مسار السفن من قناة السويس ومخاوف حدوث أزمة جديدة في سلاسل الإمداد“، أنه على المدى القريب، من المرجح أن تستوعب صناعة شحن الحاويات العالمية الصدمة التي أصابت سعة الشحن بسبب الهجمات على السفن في البحر الأحمر نظرًا لضعف الطلب بشكل عام في شهري يناير وفبراير، وإذا استمرت الهجمات في مارس وأبريل ، وهو الوقت الذي تشهد فيه التجارة العالمية انتعاشًا موسميًا، فقد تؤدي القيود على سعة الشحن إلى حدوث أزمة في سلاسل الإمداد مثل تلك التي حدثت في 2021-2022.

تنعكس التكاليف الإضافية للرحلة حول رأس الرجاء الصالح – والتي تشمل ما يصل إلى مليون دولار من الوقود لكل رحلة ذهابًا وإيابًا – في ارتفاع أسعار الشحن. وتضيف ميرسك “رسومًا إضافية لتعطل العبور” بقيمة 200 دولار أمريكي لكل حاوية مكافئة إلى دفاترها (عقود الشحن العادي والشحن الفوري) للرحلات بين شرق آسيا وشمال أوروبا والبحر الأبيض المتوسط والساحل الشرقي للولايات المتحدة. هذا بالإضافة إلى “رسوم إضافية في موسم الذروة” بقيمة 300 دولار و1000 دولار لكل حاوية مكافئة. كما أعلنت شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة، وهي شركة عالمية أخرى لشحن الحاويات، إنها ستفرض “رسوم تعديل طارئة” بقيمة 500 دولار لكل حاوية مكافئة على الشحنات من أوروبا إلى آسيا والشرق الأوسط.

ارتفعت أسعار الشحن الفوري بصورة أكبر، حيث قفز سعر الرحلة من آسيا إلى أوروبا إلى أكثر من 3000 دولار لكل حاوية سعة 40 قدمًا، بزيادة ثلاثة أمثال عن أدنى معدل تم تسجيله في عام 2023 (نحو 1000 دولار).  

يعود “تيم سيفرت” ليؤكد أن الوضع في البحر الأحمر له تأثير واضح على تدفقات التجارة العالمية، وبالتالي من الواضح أننا بحاجة إلى حل سريع من المجتمع الدولي للدولي.

أما “كريستالينا غورغييفا”، المدير العام لصندوق النقد الدولي” قالت أمام المنتدى الثامن للمالية العامة في الدول العربية، الذي عقد في الإمارات منتصف فبراير الحالي: “نستشعر التداعيات من خلال تزايد تكاليف الشحن وانخفاض حركة عبور السفن في البحر الأحمر – بما يزيد على 40% تقريبا هذا العام، ويساهم ذلك في تصاعد التحديات عبر الاقتصادات التي لا تزال في طريقها إلى التعافي من صدمات سابقة. وكلما طالت مدة الصراع، ازدادت المخاطر التي تهدد باتساع دائرة الصراع وتفاقم الضرر الاقتصادي”.

يمثل الوضع في البحر الأحمر قنبلة موقوتة قد تهدد الاقتصاد الدولي خلال الفترة المقبلة، فتأثر حركة الملاحة البحرية قد يدفع الموردين لرفع أسعار منتجاتهم نتيجة إطالة أمد الرحلات البحرية، فضلًا عن زيادة تكلفة أسعار التأمين على الحاويات، وأيضًا تهديدًا لجزء من حركة نقل الوقود والغاز والمواد الخام الأولية الذي بالتأكيد سينتج عنه أزمة تضرب القطاع الإنتاجي والصناعي العالمي، وربما يعتقد البعض أنه خلال تلك الأوقات الحرجة تكون المصالح المشتركة وخلق المنافع المتبادلة بين مختلف الأطراف هو بارقة أمل في نفق مظلم ربما يكون الاقتصاد هو من أبرز العناصر المتضررة فيه، وهو أيضا قد يكون الحل السحري لتلك الأزمة الخطيرة، التي تستعد للخروج من نطاقها الإقليمي ليواجهها العالم أجمع.

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.