fbpx

عن البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.. أشكال التعاون

عن البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.. أشكال التعاون

كيف يمكن للبنوك وشركات التكنولوجيا المالية العمل معا؟

بعد الحديث في مقالتي السابقة عن ضرورة عمل البنوك وشركات التكنولوجيا المالية معا، أود تحديد أشكال التعاون المختلفة المتاحة بينهم، والتي يمكن أن تأخذ شكل تعاون مرتبط بالمنتج، أو عمليات الدمج والاستحواذ، أو صناديق الاستثمار، والمسرعات والحاضنات، والفعاليات، وخدمات الدعم، وبرامج الشركات الناشئة، وتوفير مساحات العمل المشتركة و غيرها.

مبدئيا، لقد لوحظ أن البنوك التي أعلنت عن استراتيجية التحول الرقمي، أو وظفت رئيسا تنفيذيا للتحول الرقمي، بدأت سريعا في التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية. بالإضافة إلى ذلك فإن آخر دراسة أجريت على ١٠٠ بنك في كندا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة عن أشكال التعاون الأكثر انتشارا ونجاحا بين البنوك وشركات التقنية المالية، وكانت النتيجة  أن ٤٣٪ من التعاون يأتي على شكل استثمارات من البنوك في الشركات التكنولوجيا المالية، و٥٤٪ يتعلق بالمنتجات المشتركة بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية، و٣٪ من أشكال التعاون الأخرى. وبناءا على ذلك وعلى خبرتي الخاصة، فإن الأشكال الثلاثة التالية هي أنجح نماذج التعاون بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية:

١. التعاون فيما يتعلق بالمنتج (المنتجات المشتركة):

هناك عدة أشكال للتعاون في هذا النموذج. الأول حين تتكامل أنظمة شركة التكنولوجيا المالية مباشرة مع النظام البنكي الحالي، لتوفير منتج معين للمستخدمين النهائيين. ويتطلب هذا النوع من الشراكة موافقة البنك، والتواصل المباشر مع صناع القرار داخل البنك لأخذ الموافقات اللازمة، إضافة إلى طول فترة اختبار المنتج، والامتثال إلى لوائح التنظيم الصادرة من البنك وغيرها.

النوع الثاني من هذا التعاون، عندما يعهد البنك بكل الاعمال الخاصة بتنفيذ التطبيق إلى شركة التكنولوجيا المالية، والتي تقدم البرمجيات كخدمة عبر التكنولوجيا السحابية  “نموذج SaaS” والتي لا تطلب تواجد الانظمة داخل البنك، وهو نموذج سريع التنفيذ، وقليل التكلفة، لكنه غير مناسب مع كافة الأعمال التي تتطلب التكامل المباشر مع انظمة البنك.

الشكل الأخير والأفضل للتعاون هو استخدام واجهات التطبيقات البنكية المفتوحة “Open API” التي تمكن مطورين خارجيين من إنشاء تطبيقات وخدمات مالية. ,وبهذا الشكل  تتحول البنوك إلى منصات للخدمات المالية، يتم تنفيذها من خلال الخدمة البنكية (BaaS)، ويكون البنك بمثابة الواجهة الخلفية لنظام التكامل مع شركات التكنولوجيا المالية المستقلة. وهذا يسمح للمؤسسات غير البنكية بإطلاق منتجات مالية إضافية بسهولة وتكلفة أقل، وأيضا سهولة التوسع في أسواق أخرى.

ومن المنافع المتبادلة لهذا الشكل، أنه يمكن لشركات التكنولوجيا المالية إضافة خدمات لعملائها، وفي نفس الوقت يمكن للبنك الاستفادة من زيادة استخدام برامج التطبيقات الخاصة به، وإضافة خدمات قيمة لعملائه.

يعمل ذلك على رفع العائدات لكلا من البنك وشركة التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى ذلك يجب على البنوك عقد شراكات مع عدد محدد من الشركات التقنية المختارة بعناية، لتقديم خدمات مميزة لعملائها. في هذا النموذج يصبح البنك هو اللاعب الأساسي، وتتنافس شركات التكنولوجيا المالية على الوصول لقاعدة عملاء البنوك.

ونتيجة لذلك، يستطيع البنك المقارنة ما بين الشركات، واختيار الشركة التي تقدم أفضل خدمات لعملاء البنك. وفي هذه الحالة، لا يتكلف البنك مبالغ كبيرة مقابل ذلك، حيث يمكن للاعبين الجدد تجربة طرق جديدة، دون أن يضطر البنك للاستثمار ودفع أموال في المقابل كما أنها لن تعرض البنوك للخطر، لأن البنوك ستختار الشركات التي تتماشى معها بناءا على شروط وأحكام البنك، ولتحقيق هذا النموذج من التعاون، يجب على البنوك أن تتحول لنظام “البنك المفتوح”، وهذا يتطلب من البنوك من تنفيذ واجهات التكامل بين الانظمة باستخدام “Banking Open API” وهي تقنية عالمية معروفة تمكن البنك من اتاحة أنظمته الداخلية من التكامل مع العالم الخارجي (شركات التكنولوجيا المالية) بطريقة سهلة، وآمنة، ومحددة القواعد. وهذا يمكن شركات التكنولوجيا المالية من التكامل مع البنوك المختلفة بنفس الطريقة، مما يوفر في الجهد المطلوب لتكامل الانظمة ويسرع من اتاحة الخدمات، والتطبيقات البنكية الخاصة بالعملاء.

٢. البنك كمستثمر أو شريك في حاضنات ريادة الأعمال :

استثمار البنوك في الشركات يعد أحد أشكال التعاون المقترحة بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية، ويشمل نوعين، الأول أن يستثمر البنك مباشرة في الشركة، وهذا مناسب للبنوك التي تتعامل مع شركات تكنولوجيا مالية كبيرة نسبيا، ولكن يفضل للبنك الحصول على حصة الأقلية بالشركة، وذلك لمنح الشركات مزيدا من الحرية للابتكار وإدارة أعمالها، ولن يشكل عقبة للشركات إذا تعاونت مع بنوك أخرى.

والشكل الآخر من التعاون يأتي في تأسيس البنوك حاضنات ومسرعات الأعمال لتشجيع شركات التكنولوجيا المالية على الابتكار. هذا النموذج مناسب مع شركات التكنولوجيا المالية صغيرة الحجم والناشئة، حيث تساعدهم على تحسين أعمالهم، وتقدم لهم الدعم والإرشاد من خلال ورش العمل، والفعاليات، والجلسات النقاشية، ورأس المال التأسيسي الذي سيعطي البنك أيضا حصة أقلية.

بدأت البنوك في مصر بالفعل برامج لشركات التكنولوجيا المالية، بالتعاون مع مسرعات الأعمال، وشبكات المستثمرين الملائكيين، وصناديق الاستثمار، مثل برنامج ١٨٦٤ لبنك باركليز، وفلات ٦ لابز، وبرنامج الجامعة الأمريكية مع بنك CIB، و AUC Venture Lab، وأيضا برنامج مينت Mint لبنك EG، وكايرو آنجليز وغيرها. ولكن مع ذلك نحتاج إلى مزيد من تلك البرامج من بنوك أكثر.

٣. البنك كمؤسس للمشروع (مصنع لشركات التكنولوجيا المالية)

رغم الأفكار الجيدة والمنتجات المبتكرة للشركات الناشئة، مازال هناك العديد من الأفكار والخدمات المالية المبتكرة التي لم يتم تطبيقها بعد باستخدام التكنولوجيا المتطورة. يرجع ذلك إلى نقص خبرة أغلب المؤسسين في مجال التكنولوجيا المالية. ونظرا لأن المشكلات الحقيقية للمؤسسات المالية معروفة من قبل الخبراء العاملين بالبنوك، لخبرتهم المالية، فأن الطريقة المثلى لسد تلك الفجوة، أن يكون البنك هو مؤسس شركة التكنولوجيا المالية.

على عكس طريقة عمل الحاضنات والمسرعات، فإن البنوك كمصنع ومؤسس للشركات التكنولوجيا المالية لن تطلب تقديم استمارة التحاق، ولا يوجد منافسات في يوم العرض بين رواد الأعمال، لكن سوف تقوم البنوك بتكوين فرق عمل لحل مشكلات بنكية محددة، يقوم من خلالها الفريق المكون من المهندسين والمستشارين ومطوري الأعمال بدراسة جميع الحلول المبتكرة والتكنولوجيا المتطورة لتنفيذ الحلول اللازمة للمشكلة أو الخدمة البنكية المراد تطويرها. بعد ذلك يعرض كل فريق النتائج والأفكار على لجنة من المديرين التنفيذيين في البنك، ويقومون بدورهم بالموافقة على تأسيس شركة تكنولوجيا مالية لتنفيذ الحلول التكنولوجية المقترحة لحل المشكلة المالية أو المصرفية سالفة الذكر أو بطلب إعادة الدراسة في حالة كانت الحلول المقدمة من الفريق غير مقنعة. أما في حالة الموافقة على تأسيس الشركة فإن فريق العمل يقوم بادارة الشركة، بعيدا عن إدارة البنك المباشرة، وذلك لتوفير بيئة عمل ملائمة لهم، تساعدهم على الابتكار. كما يتم توزيع أسهم ملكية على الفريق الذي سيقع عليه الاختيار لإدارة الشركة الناشئة الجديدة، وذلك لمنحهم الدافع لبناء وتطوير شركتهم.

وتشترك جميع مصانع الشركات سواء كانت بنوك أو تعمل في أي مجال آخر في ٤ مباديء أساسية وهي: الالتزام برأس المال، والخبرة سواء في معرفة السوق أو إدارة العمليات، والرغبة في بناء شيء جديد، والتعاون مع المؤسسين وفريق العمل. أعتقد أنه من خلال هذا النموذج – على الرغم من عدم انتشاره حتى الآن – سوف يمكن البنوك من أن تطلق شركات تكنولوجيا مالية متخصصة وأكثر نموا وتطورا واستقرارا.

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.