fbpx

عن البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.. “فوري” كدراسة حالة

عن البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.. “فوري” كدراسة حالة

في المقالتين السابقتين، تحدثت عن أهمية عمل البنوك وشركات التكنولوجيا المالية معا، وأوضحت طرق التحالف المختلفة. حان الوقت الآن للحديث عن الدور الفعال الذي تلعبه الجهات التنظيمية والرقابية  في تسهيل هذا التعاون وبناء العلاقات. كما سأقدم شركة فوري كدراسة حالة ناجحة، للتعاون مع البنوك من خلال تنفيذ بعض الطرق الواردة في المقال السابق، والاستمرار لتصبح أول شركة مصرية ناشئة تطرح أسهمها للاكتتاب العام في البورصة، وتصل قيمتها السوقية إلى مليار دولار.

ما هو دور البنوك المركزية في التحالف؟

أدى تقييد منح الجهات التنظيمية تراخيص البنوك إلى خلق نظام يعتمد بشكل كبير على تشكيل التحالفات. ومع ذلك تدفع الجهات التنظيمية البنوك خاصة في أوروبا للتعاون وللعمل بنظام الخدمات المصرفية المفتوحة،  فعلى سبيل المثال لائحة (PSD2) في الاتحاد الأوروبي، ومبادرة الخدمات المصرفية المفتوحة التابعة لـ CMA في المملكة المتحدة. تهدف تلك اللوائح إلى تزويد العملاء بخدمات أفضل وبتكلفة أقل، وذلك من خلال سماح البنوك للعملاء بالحصول على معلومات الحساب مباشرة والدفع من البنك. دفعت هذه اللوائح المفروضة جميع البنوك إلى تنفيذ واجهة برمجة تطبيقات مفتوحة (Open API)، للتعاون بسهولة مع شركات التكنولوجيا المالية.

يعد “ساند بوكس” طريقة أخرى تسهل وتشجع تطوير قطاع التكنولوجيا المالية في بيئة آمنة، حيث تراقب الجهات التنظيمية أنشطة تلك الشركات وتأثيرها على الأعمال والمجتمع، وبيئة ريادة الأعمال، وسيتم منح رخصة العمل للمرشحين الناجحين.

يمكن للجهات التنظيمية أيضا إطلاق لوائح جديدة، أو تحديث اللوائح الحالية، مما يسمح بالتأقلم مع البيئة المتغيرة التي تعمل فيها الجهات التنظيمية والشركات.

 في مصر، اتخذ البنك المركزي خطوات جيدة نحو “ساند بوكس”، حيث أطلق المختبر التنظيمي لتطبيقات التكنولوجيا المالية “ساند بوكس” في ٢٠١٩، لمساعدة البنوك وشركات التكنولوجيا المالية على التعاون بشكل أكثر مرونة. ولكن حتي الآن لم يضع البنك المركزي اللوائح الملزمة للبنوك لتنفيذ واجهة برمجة تطبيقات مفتوحة “banking Open API” تساعد على تكامل أنظمة البنوك مع أنظمة شركات التكنولوجيا المالية.

“فوري” كدراسة حالة

فوري هي أول وأكبر شبكة دفع إلكتروني في مصر، تأسست في ٢٠٠٨، لتقديم خدمات مالية للعملاء من الأفراد والشركات من خلال مجموعة متنوعة من الخدمات تشمل على سبيل المثال، دفع الفواتير الإلكترونية، ووسائل الدفع البديلة للتجار من كروت ائتمانية أو محافظ الكترونية، وتحصيل المدفوعات للموردين، وتقديم القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة، بجانب أنواع أخرى من الحلول الرقمية للبنوك والتجار والشركات والافراد.

في المقال السابق، ناقشت الأشكال المختلفة للتعاون بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية، ومن أبرز النماذج نجاحا: التعاون فيما يتعلق بالمنتجات المشتركة، والبنك كمستثمر أو شريك في الاستثمار، والبنك كمصنع للشركات الناشئة . طبقت فوري كشركة تكنولوجيا مالية نموذجين للتعاون مع البنوك، سوف نقوم بعرض نبذة بسيطة عنهم:

١) تعاون البنوك عن طريق الاستثمار في شركات التكنولوجيا المالية

منذ البداية، استعانت فوري بعدد من البنوك كمساهمين ومستثمرين استراتيجيين، مع الحفاظ على نسبة الأقلية، لضمان عدم حدوث تعارض عند التعاون مع بنوك أخرى. تأسست فوري في ٢٠٠٨، وشارك كلا من البنك العربي الأفريقي وHSBC وبنك إسكندرية، مجتمعين بنسبة ١٢٪ من أسهم الشركة.

في ٢٠١٦ شاركت فوري مع بعض البنوك المصرية في تأسيس “فوري بلس”، لتقديم خدمة الوكيل المصرفي لجميع البنوك المصرية، وفي ٢٠١٩ بدأت فوري طرح أسهمها للاكتتاب العام، واستحوذ بنك مصر والبنك الأهلي المصري على ٧٪ من حصة فوري لكل منهما خلال الطرح الأولي. انقسم العرض إلى جزئين: طرح خاص وطرح عام، وحرصت فوري على تضمين بنوك مساهمين استراتيجيين مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر في الطرح الخاص. من خلال ذلك، يمكننا أن نرى أن فوري استطاعت تطبيق هذا المبدأ في التعاون مع البنوك من خلال حرص الشركة على تواجد البنوك كمستثمرين رئيسيين في رأس مال الشركة خلال المراحل المختلفة من عمر الشركة، منذ التأسيس وحتى الطرح العام في البورصة المصرية. وكان لهذا التعاون مع البنوك من الأثر الفعال، لتعزيز الثقة في شركة فوري بين جميع شركائها من المؤسسات العامة والخاصة. كما أدى هذا التعاون لتسهيل تواجد فوري وأنظمة فوري داخل البنوك كواحد من الشركاء الأساسيين، حيث أصبحت فوري هي المزود الوحيد لخدمات الدفع الإلكتروني والفواتير لأغلب القنوات البنكية في البنوك المصرية.

٢) تعاون لتطوير المنتجات المشتركة 

بدأت فوري تقديم خدماتها البنكية من خلال ماكينات الصراف الآلي في ٢٠١٠، وتعاونت مع البنوك لتطوير الأنظمة الخاصة لتسهيل دفع الفواتير لعملاء البنك من خلالها. لتحقيق ذلك طورت فوري بوابة دفع إلكترونية يتم استضافتها داخل البنك، وتتكامل بشكل مباشر مع أنظمة البنك الداخلية من جهة، ومع نظام فوري المتكامل مع جميع الشركات المصدرة للفواتير من جهة أخرى. في هذا المثال قامت فوري كشركة تكنولوجيا مالية بالتكامل بطريقة مباشرة مع البنية التحتية للبنوك، والتي تطلبت الكثير من الجهد والوقت لإطلاق المنتج النهائي بصورة مرضية لجميع الاطراف.

في ٢٠١٤، بدأت فوري في تقديم خدمة الدفع من خلال المحافظ الإلكترونية في الهواتف المحمولة بالتعاون مع البنك الأهلي المصري، والآن وصل عدد البنوك التي تقدم خدمات الدفع من خلال أنظمة المحافظ الإلكترونية المقدمة من فوري إلى أكثر من ٢١ بنكا. تم تقديم هذا الحل من قبل فوري كنموذج هجين حيث تم تقديم بعض انظمة المكونات للبنوك عبر التكنولوجيا السحابية “نموذج SaaS”، وأنظمة المكونات الأخرى التي تم دمجها مع البنية التحتية الداخلية للبنوك. 

تعاونت فوري مع البنوك المختلفة في العديد من المنتجات الأخرى، حيث تم استخدام التكامل المباشر أو SaaS أو النماذج الهجينة لتقديم المنتجات لكل من عملاء البنوك وعملاء فوري، بينما نجحت فوري في التكامل مع انظمة البنوك المختلفة بطرق تكامل مختلفة لما لها من خبرة كبيرة في تصميم وتكامل الانظمة المتطورة والمتقدمة ولكن قد لا تستطيع شركات التكنولوجيا المالية الأخرى من تنفيذ هذا التكامل مع أنظمة البنوك الداخلية لما له من صعوبة في التنفيذ وبالتالي لن تستطيع أن تقدم تطبيقاتها لعملاء البنوك . ولذلك فاذا قامت البنوك بتنفيذ واجهات التكامل بين الانظمة باستخدام “Banking Open API” وهي تقنية عالمية معروفة تمكن البنك من إتاحة أنظمته الداخلية من التكامل مع العالم الخارجي (شركات التكنولوجيا المالية) بطريقة سهلة وآمنة ومحددة القواعد فسيكون التعاون المتعلق بالمنتجات المشتركة بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية أسهل، وفعالاً من حيث الوقت بسبب التكامل السريع (التوصيل والتشغيل) لأنظمة البنك وشركات التكنولوجيا المالية، كما سيفتح ذلك الباب لفرص ضخمة تحسن من تجربة العملاء، وترفع من درجة رضاهم، وهو الهدف الرئيسي من كل عمليات التحول الرقمي للبنوك.

التحالف هو الطريق الوحيد للتقدم

التحالف يعني التغيير ويعني تحديات أكبر. على الجانب الآخر العمل مع الشركات الناشئة يجعل البنوك أكثر ابتكارا، هذه الشراكات تخلق قيمة مضافة للبنوك، حيث نموذج العمل المبتكر والمميز، وبالنسبة لشركات التكنولوجيا المالية، فإنه يجلب الاستقرار والدعم المادي، لذا فإن التعاون مربح  للطرفين. لذا يجب على البنوك التحرك سريعا لتكييف بنيتها التحتية، وتنفيذ واجهات التكامل بين الأنظمة باستخدام “Banking Open API” ومن ثم إتاحة الفرصة لشركات التكنولوجيا المالية المختلفة من التكامل مع أنظمة البنك، والتي سينتج عنها اكتشاف فرص جديدة ومبتكرة لعملاء البنوك. وأخيرا فإن الاتجاه السائد الآن والمتمثل في “البنوك صديقة شركات التكنولوجيا المالية” بدلا من “البنوك عدو شركات التكنولوجيا المالية” هو الأرجح لتطوير الخدمات البنكية والمصرفية.

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.