اختر الموعد وواجهة السفر. دقيقة واحدة، وستوافيك منصة الحجز المفضلة لديك بعشرات العروض للفنادق وتذاكر الطيران تتنافس فيما بينها على تقديم أفضل الخدمات بأقل الأسعار.
هذا هو مايتوقعه مسافر اليوم، حيث تتنافس عشرات منصات الحجز الإلكتروني حول العالم لتقديم خدماتها، وتسهيل تجربة التخطيط للسفر، وهو قطاع ينمو بسرعة مطردة اجتذب رواد الأعمال العرب لاقتحامه، لتظهر شركات ناشئة مثل يامسافر من فلسطين، وتريب دايزر ويلا ترافل من مصر، والمطار من السعودية، وغيرها.
إلا أن وسط هذه المنافسة الشرسة، تتابع الأخبار حول مطالبات شركات السياحة المصرية بفرض قيود على الحجز الإلكتروني، وتقييد عدد الغرف التي يستطيع كل فندق طرحها عبر منصات الحجز الإلكتروني.
وفي ديسمبر الماضي، أعلن عدد من شركات السياحة المصرية عن بدء حملة لجمع توقيعات من أصحاب الشركات لمخاطبة الحكومة من خلال غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة ومطالبتها بالتدخل، متهمين تقنيات الحجز الإلكتروني بتدمير قطاع السياحة المحلي، حيث يفضل السياح استخدامها بدلا من اللجوء لهذه الشركات، وهو مايهدد أرباحها ويدفعها خارج المنافسة.
للوهلة الأولى، تبدو هذه المطالبات محاولة يائسة للرجوع بالزمن إلى الخلف، لكن الأمر أكثر تعقيدا.
تحالف ضد شركات السياحة
جانب مسجد السيدة زينب ومتحف الخزف الإسلامي في القاهرة، يقبع فندق كابيتال القاهرة ذي الثلاث نجوم، وهو مكان مفضل للشباب الأوروبي من محبي السياحة الاقتصادية. يقول خالد جبر، مدير الفندق، في حديث مع “واية عربي” أنه يعتمد كليا على مواقع الحجز الإلكتروني للوصول إلى السياح، خاصة من دول شرق أوروبا، وأنه يستطيع من خلال تلك المواقع الوصول إلى نسبة إشغال عالية دون ميزانية ضخمة للترويج.
يضيف جبر: “هذه المنصات تهتم فقط بآراء العملاء في نظافة الفندق وجودة خدماته، أما شركات السياحة فقد تنصح السائح بفندق لأنه يعطي للشركة عمولة أكبر، دون اهتمام حقيقي بمدي جودة الخدمة”.
يتفق معه محمد وجيه، مدير فندق ميرامار في ميدان طلعت حرب بوسط البلد، الذي يعتمد كليا على منصات الحجز الإلكتروني أيضا، قائلا: “هذه المنصات توفر للفندق عملاء طوال السنة، بعكس شركات السياحة التي تنشط فقط في مواسم بعينها”. يستكمل وجيه المقارنة بين المنصات الإلكترونية وشركات السياحة التقليدية، حيث يقول أن المنصات الكبرى تمتلك ميزانيات ضخمة تساعدها في تسويق جميع الفنادق بشكل جيد، وتظهرها بالصفحات الأولى في محركات البحث، كما أنها تدفع ثمن الحجز للفنادق بانتظام وبسرعة، بعكس شركات السياحة التي قد تدفع ثمن الحجز على دفعات متباعدة.
ويرجع فادي رسمي المدير الإداري لمنصة تريب دايزر، وهي شركة ناشئة في مجال السياحة، أسباب توجه السائحين إلى الحجز الإلكتروني، أن ثقة العملاء بمنصات الحجز الأونلاين تتزايد، لأنها تعطي أسعار أفضل وأمكانية المفاضلة بين تلك الأسعار، بخلاف الشركات السياحة العادية التي تعرض أسعارا أعلى.
وكانت منصة تريب دايزر المصرية قد حصلت العام الماضي على تمويل قدره ٣٠٠ ألف دولار أمريكي، وهي المنصة التي تعطي للمسافرين قدرة على تخطيط رحلاتهم، طبقا لميزانيتهم وهوياتهم. ويضيف رسمي أن المستقبل بالكامل سيكون لمنصات الحجز الإلكتروني، مشيرا إلى أن ٢٠١٩ شهدت إفلاس شركة توماس كوك البريطانية، التي كانت ذات يوم أكبر شركة سياحة في العالم.
“شركات السياحة لاتواكب متطلبات العصر الحديث، مشيرا إلى أنه من ضمن ٢٨٠٠ شركة سياحة مصرية، مايقرب ٣٪ فقط لديهم مواقع على الإنترنت”
محمد فروق، رئيس لجنة السياحة الإلكترونية بغرفة السياحة
منافسة غير عادلة؟
شهدت ٢٠١٩ تعافيا للسياحة المصرية، إذ وصل دخلها ١٢,٦ مليار دولار، مقارنة بحوالي ٥،٢ مليار دولار في ٢٠١٠. العام الماضي، رفعت بريطانيا الحظر عن سفر مواطنيها إلى مصر، وهو الحظر المفروض منذ ٢٠١٥ إثر حادث إرهابي تبناه وقتها تنظيم ولاية سيناء الموالي لداعش، والذي أسفرعن إسقاط طائرة روسية ومقتل كل ركابها. إضافة لذلك، كانت مصر على قائمة سي إن إن الأمريكية، وإندبندنت البريطانية وغيرها من المجلات الأوروبية كواحدة من أفضل جهات السياحة والسفر حول العالم.
وفين حين جنت المنصات الإلكترونية النصيب الأكبر في أرباح هذا التدفق إلى مصر، كانت شركات السياحة المصرية تشكو خسائرا متزايدة. ويقر محمد فاروق، رئيس لجنة السياحة الإلكترونية في غرفة شركات ووكالات السفر السياحة المصرية، بأن الشركات لاتواكب متطلبات العصر الحديث، مشيرا إلى أنه من ضمن ٢٨٠٠ شركة سياحة مصرية، مايقرب ٣٪ فقط لديهم مواقع على الإنترنت.
في ذات الوقت، فإنه يشير أيضا إلى أن المنافسة تفتقر للعدالة. “شركات السياحة المصرية تخضع لضريبة الدخل، ونخضع لرقابة جهاز حماية المستهلك، في حين أن هذه المنصات لاتخضع لمثل هذه القيود”، يقول فاروق.
ويتفق معه على غنيم، عضو غرفة الفنادف باتحاد الغرف السياحية، قائلا أن أحد الأسباب الرئيسية لاختلاف سعر الغرفة الواحدة بين شركات السياحة المصرية والمنصات الإلكترونية هو الرسوم والضرائب الإضافية، التي قد تجبر شركة السياحة على عرض غرفة مقابل ١٠٠ دولار، في حين تعرضها منصة إلكترونية بـ٧٠ دولارا فقط.
“منصات الحجز الإلكتروني لاتدفع ضرائب في مصر”
محمد فاروق، رئيس لجنة السياحة الإلكترونية بغرفة السياحة
وتصل ضريبة الدخل على الشركات في مصر إلى ٢٢,٥٪ من الأرباح، وشهد ٢٠١٩ مفاوضات مطولة بين غرفة السياحة المصرية ومصلحة الضرائب بعد خلافات على فرض ضريبة جديدة، وهي ضريبة رسم التنمية ودعم التضامن الاجتماعي.
يقول فاروق: “منصات الحجز الإلكتروني لا تتعامل مع كل هذه القيود، ولاتدفع ضرائب في مصر، مما لا يضمن عدالة المنافسة”، مشيرا إلى أن لجنة السياحة والطيران في البرلمان المصري قد التقت مع شركات السياحة مطلع ٢٠٢٠ من أجل دراسة فرض الضرائب على المواقع الإلكترونية العاملة في السياحة بمصر.
ويؤيد غنيم تدخل الدولة لضمان عدم وجود فارق ضخم في أسعار غرف الفنادق بين هذه المنصات والشركات المصرية، مشيرا إلى أن بعض دول المنطقة، مثل تركيا والأردن يطبقون تشريعات مماثلة لحماية الشركات المحلية.
لكن الشركات الناشئة والمنصات الإلكترونية يراهنون أن منصات الحجز الإلكتروني هي المستقبل، وأن كل هذه الإجراءات والقوانين لن تكن كافية لحماية شركات السياحة على المدى الطويل.
“المستقبل للذكاء الاصطناعي، والابتكار، والمنصات الذكية والخدمات غير التقليدية.. ولا أحد يمكن تغييره أو إيقافه”
فيصل الراجحي، نائب المدير التنفيذي لتطبيق المطار
“حتى لو تحولت الشركات السياحية إلى وكالات حجز إلكتروني، فهذا لن يحمي وجودها”، والحديث لفيصل الراجحي، نائب المدير التنفيذي لتطبيق المطار، وهي شركة سعودية نشأت في ٢٠١٧ تعمل في مجال حجز الفنادق وتذاكر الطيران.
يشير الراجحي إلى أن حجم الحجوزات الإلكترونية في العالم تجاوز ٥٠٠ مليار دولار سنويا، وإن قطاع السياحة التقليدية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفقد مابين ٤٪ إلى ٧٪ سنويا للحجوزات الإلكترونية. “المستقبل للذكاء الاصطناعي، والابتكار، والمنصات الذكية والخدمات غير التقليدية.. ولا أحد يمكن تغييره أو إيقافه”.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.