fbpx

بين الرأسمالية وقيم اللعبة.. هل يصمد مشروع السوبر الأوروبي؟

أثار المشروع موجة هائلة من الغضب بلغت حد التظاهرات
بين الرأسمالية وقيم اللعبة.. هل يصمد مشروع السوبر الأوروبي؟
المصدر: bbc

أعلن اثنا عشر من كبار أندية الدوري الأوروبي في 18 أبريل الماضي، بيانا تأسيسيا يتعلق بإطلاق بطولة أوروبية جديدة تحمل إسم دوري السوبر الأوروبي، والتي تتضمن عددًا من عمالقة الدوريات الأوروبية، فمن الدوري الإنجليزي وقع على عريضة إنشائها كلًا من: مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وتشيلسي وليفربول وارسنال وتوتنهام، ومن الدوري الايطالي جاء كلا من: آي سي ميلان وانترميلان ويوفنتوس، بالإضافة إلى أقطاب الدوري الأسباني ريال مدريد وبرشلونة واتليتكو مدريد.

لاقى هذا القرار موجة عارمة من الانتقادات، سواء من جانب القادة السياسيين، أو الخبراء الرياضيين، أو من الإتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA، وكذلك مشجعي ومحبي كرة القدم في أوروبا، فما القصة إذا؟ تحدثنا مع الناقد ورئيس القسم  الرياضي في جريدة العين الاخبارية محمد الفرماوي في تصريحات خاصة لواية عربي.

الرأسمالية وكرة القدم

شهدت الأشهر الأخيرة مناقشات بين الأطراف المعنية في الدوريات الأوروبية، لدراسة الوضع الحالي واتخاذ أفضل الإجراءات لمواجهة تبعات كورونا، ولكن ملاك الأندية الموقعة على عريضة إنشاء الدوري المزمع، رأت عدم جدوى من هذه الإجراءات، وأنها غير كافية بأي حال، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء دوري سوبر أوروبي تحقيقا لهدف اقتصادي أساسي، وهو محاولة تدعيم اقتصادات الأندية الكبرى التي شهدت تراجعا جراء تبعات الجائحة من خلال مشروع استثماري كبير.

ظهر فلورنتينو بيريز رجل الأعمال الأسباني والرئيس الحالي لنادي ريال مدريد الأسباني والذي يعد “الأب الروحي” لفكرة السوبر الأوروبي كما يطلق عليه البعض، في أكثر من لقاء يؤكد فيه على أهمية الاستثمار في هذه الأندية لزيادة أموالها، حيث أن مثل هذه البطولة ستنقذ كرة القدم التي فقدت متابعيها بسبب رداءة المستوى، الأمر الذي أدى إلى هجوم كبير على بيريز سواء من خبراء التحليل الكروي أو من محبي كرة القدم إذ وصفه البعض بالجشع، وبأنه سيأتي بالخراب على كرة القدم نتيجة قراراته.

إلا أن البنك الأمريكي “جي بي مورجان” دعم مشروع “السوبر الأوروبي” بقوة، إذ كان من المقرر أن يتولى تمويل المشروع بكافة تفاصيله، برأس مال ضخم.

يرى الفرماوي عند سؤاله عن الدوافع الحقيقية وراء هذا المشروع:” الدافع الحقيقي هو دافع اقتصادي بحت، أي تحقيقًا لأعلى نسبة من الأموال، وهو الأمر الذي لم ينكره أحد، إذ أن الجوائز المالية المتوقعة في هذا الدوري أكبر بحوالي ضعفين أو ثلاثة أضعاف من مجرد التتويج ببطولة دوري أبطال أوروبا، وذلك لمجرد المشاركة فقط، ورغم أن السبب المعلن حتى الآن هو الأزمات المالية التي تعرضت لها الأندية عقب أزمة كورونا، لكن في واقع الأمر ترجع هذه الفكرة إلى عام ٢٠٠٩”.

ردود فعل شعبية غاضبة 

تعالت الأصوات الرافضة لهذا القرار الذي يمثل انشقاقا في الكرة الأوروبية، الأمر الذي رفضه مشجعو ومحبو كرة القدم ليس في أوروبا وحدها، بل في مختلف أنحاء العالم، حيث وصفه البعض بدوري النخبة، وبدوري الرأسمالية، في تجاهل مباشر للأندية الأقل ثروة في أوروبا، ما يؤدي لحرمان مشجعي هذه الأندية من الاستمتاع بمشاهدة أنديتهم المفضلة، لتصبح بذلك كرة القدم لعبة نخبوية للأثرياء فقط، ويتحول المشجعون إلى مجرد مستهلكين لهذه السلعة، وبلغ الأمر حد خروج العديد من جماهير هذه الأندية الكبرى في تظاهرات ووقفات احتجاجية لمعارضة هذا المشروع.

أكد الفرماوي من جانبه على هذه الانتقادات الموجهة للبطولة قائلا: “بالتأكيد يمثل محاولة للسيطرة على كرة القدم، وذلك رغم حقيقة عدم وضوح الرؤية بشأن إلغاء فكرة هبوط الـ ١٥ فريق المؤسسين، وهو الأمر الذي انتقده مدربون كبار في أوروبا كان أبرزهم بيب جوارديولا مدرب مانشستر سيتي”، وأضاف:” أرى أن الرياضة مبنية على فكرة المجهود، ومكافأة هذا المجهود في النهاية بحصد الألقاب أو الإنتصارات، والعكس في حالة الهزيمة، فإذا تحدثنا عن فرضية تطوير اللعبة وزيادة متعة كرة القدم، التي تحدث عنها بيريز رئيس نادي ريال مدريد، سنجد أنها فرضية غير مضمونة على الإطلاق، بطولات الدوري تتطلب تخزين جهد و”نفس طويل”، وهو ما يقتل متعة مشاهدة مباريات الدوريات بعكس مباريات الكؤوس.

على سبيل المثال: نجد في إنجلترا ٦ فرق كبيرة تواجه بعضها في كل موسم، ومع ذلك، فإن المباريات أصبحت روتينية ومعروفة، وتصبح ممتعة أكثر عندما ترتبط احدى هذه الفرق بمنافسة بينها وبين بعض،  الأمر الذي جعل مباريات سيتي وليفربول حاليًا أكثر إمتاعا، وفي أوقات سابقة تشيلسي وليفربول وأرسنال ومانشستر يونايتد”.

عقوبات واقعية أم مجرد تلويح؟

من جانبه أعلن السويسري جياني إنفانتينو الرئيس الحالي للاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA رفضه لهذا المشروع، وهدد كل المشاركين في هذا الدوري، بعقوبات صارمة تصل إلى حد الحرمان من المشاركة في البطولات الدولية، ولم يختلف موقف الاتحاد الأوروبي كثيرا.

علق الفرماوي عند سؤاله عما يتعلق بمصير الأندية المؤسسة:” الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يتوعد بالفعل بعقوبات قد تصل إلى إيقاف عن المشاركة الأوروبية، بالإضافة إلى الحديث عن وجود غرامات مالية، ولكن لا أعتقد أنها ستكون صحيحة في نهاية الأمر، نظرًا لغرور بيريز في حديثه عن عدم إمكانية الاستبعاد من دوري أبطال أوروبا، واعتقد انه سيتم الاعتماد في النهاية على لوائح وقوانين في العقوبات، حتى لا تعترض عليها الأندية المعاقبة”، وبالنسبة لمصير مجالس الإدارة قال: “هناك مظاهرات كثيرة ضد عدد من الأندية مثل مانشستر يونايتد وأرسنال، ولكن لا يجب أن نغفل حقيقة أن تلك الأندية عانت من فشل على مدار السنوات السابقة، بعكس أندية مثل ريال مدريد وبرشلونة التي لم تهاجم الجماهير إداراتها بنفس الطريقة، وبالتالي أحيانا يكون هناك خلط عند الجمهور في البحث عن وسيلة ما لإخراج الكبت أو الغضب من الإدارة”.

سيناريوهات المستقبل

انسحب حتى اللحظة ٩ أندية من مؤسسي هذا الدوري نزولا على رغبة مشجعيها، إذ لم يتبق حتى الآن سوى ريال مدريد وبرشلونة ويوفنتوس، كما أعلن المتحدث الرسمي باسم البنك الأمريكي “جي بي مورجان” الذي كان من المفترض أن يكون الممول الأساسي والأكبر للدوري، تراجعه، مشيرا إلى أنه أساء تقدير المشروع الجديد، وأن البنك سيتعلم من هذه التجربة.

أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يوم الجمعة الماضية 7 مايو، عزمه على توقيع عقوبات على الأندية الثلاثة المتبقية، وذلك بعد أن قام بتوقيع مذكرة اعادة دمج للأندية المنسحبة من البطولة، بعد أن أعلنت أسفها على انضمامها لهذا المشروع.

يقول الفرماوي فيما يخص السيناريوهات المستقبلية:” السيناريوهات المستقبلية غير معلومة، خاصة بعد رد الفعل الحازم والصارم من قبل اليويفا والحكومات الاوروبية، افريقيا نفسها يوجد فيها فكرة دوري سوبر أفريقي لكن بمباركة الكاف والفيفا، إذا الأمر كله متعلق في النهاية بفكرة المصلحة والمظلة الرسمية التي لو تحققت فلن تكون هناك مشكلة”.

على الرغم من ذلك، صرح بيريز بأن المشروع في مرحلة التجهيز والاستعداد، حتى مع انسحاب معظم مؤسسيه، ومموله الأكبر، كما تصر الأندية الثلاثة المتبقية على المضي قدمًا في مشروع السوبر الأوروبي حيث أعلنت في بيان مشترك عن تمسكها بإقامة دوري السوبر الأوروبي وسعيها للتوصل إلى حل، رغم الضغوط والتهديدات غير المسبوقة،  فهل سيصمد المشروع أمام الرفض الدولي، والجماهيري له؟

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.