fbpx

عن قوة الجماعة والأثر المضاعف

عن قوة الجماعة والأثر المضاعف

كان التاريخ هو الأول من رمضان ٢٠٢٠، وهو أيضا سنة وباء الكورونا، والحظر، والعمل من المنزل، والدراسة من البيت، والقلق العالمي. رغم ذلك، أو ربما بسبب ذلك، أردنا أن نجعل من رمضان مناسبة خاصة لأعضاء مجموعتنا. 

أتذكر جلوسي في ركن المنزل الذي صار مؤخرا مقر عملي الجديد، ولم يبق من مهمتي سوى إضافة هاشتاج Hashtag، لنصبح مستعدين للانطلاق. ملت على الكرسي، وقرأت ماكتبته مرة أخيرة، ثم أغمضت عيني لثانيتين، وبعدها فتحتهما على هاشتاج “طلعة خير” #tal3et_kheir. أدركت على الفور أن هذا هو الشعار الصحيح الذي يصف بالضبط مضمون مانحاول تحقيقه.  

الفكرة بسيطة. سنحاول تشجيع أعضاء مجموعتنا، شبكة المصريين المهنيين EPN، أن يكتبوا تعريفا عن أنفسهم، ومقابل كل منشور سأدفع أنا وشريك، فادي يونان، تبرعا لأحد الجمعيات الخيرية التي يختارها الأعضاء. 

لقصص الشخصية والمهنية صارت أكثر حميمية وتفصيلا بمرو الأيام، وأصبح المشاركون أكثر انفتاحا في مشاركة نجاحاتهم وإخفاقاتهم

انتهيت من اللمسات الأخيرة على الإعلان، ثم وضعت الهاشتاج بشكل لائق على شارة الصفحة. سأسبقكم بالاعتراف أنني لست مصممة محترفة، لذا استخدمت برنامج باوربوينت Powerpoint لتنفيذ تصميم بسيط. الآن، نفس طويل، ثم ضغطة على زر النشر. وهكذا، صار الإعلان منشورا على صفحة المجموعة، مرئيا لأكثر من ٤ آلاف من أعضائنا. 

هل تنجح المبادرة؟ ظللت أفكر. مرت دقيقتان، ولم يجذب الإعلان سوى إعجابين، دون تعليقات. وحين كنت أحاول أن أظل متفائلة بأن الإعلان سيلقى بعد التفاعل قبل أن تدفنه لوغاريتمات فيسبوك، فإن المؤشرات الأولية لم تكن مبشرة. أنظر للساعة مرة أخرى (أنا من قاطني المملكة المتحدة)، ثم أتدارك الأمر! نحن الآن على بعد دقائق قليلة من موعد الإفطار بتوقيت القاهرة، حيث يسكن أغلب أعضاء المجموعة. كيف أغفلت عن ذلك؟ أنتظر لعدة دقائق أخرى، ثم أرسل إلى فادي: “أظن أنني نشرت الإعلان في توقيت مقارب جدا للإفطار.. من الجيد أن نلاحظ هذه الأمور في المستقبل. الجانب الإيجابي، أنه من الواضح أننا سنوفر أموالنا”، حاولت التعامل مع الموقف ببساطة، وأن أركز على الدرس المستفاد: توقيت النشر مهم! 

خلال ساعتين، بدأت التعليقات تظهر ببطء، لكن باستمرارية متزايدة، حتى وصلنا أخيرا للنقطة المطلوبة. واحد من أعضائنا، شريف حسين عمر، والذي لم يشارك بكتابة أي منشور من قبل، قرر أن يأخذ الخطوة الأولى ويكتب أول المساهمات في #طلعة_خير. كان منشوره هو الأقصر على الإطلاق، ولم يكن مزودا بأي صور أو إضافات من أي نوع. لم يكن هذا مهما. كان منشورة هو نقطة التحول. 

بحلول موعد نومي، تجاوز عدد المنشورات في #طلعة_خير قدرتي على العد والمتابع، فقد تضاعف عددها، واستمر نشرها على مدار أيام وأسابيع. القصص الشخصية والمهنية صارت أكثر حميمية وتفصيلا بمرو الأيام، وأصبح المشاركون أكثر انفتاحا في مشاركة نجاحاتهم وإخفاقاتهم. تنوعت القصص بين تلك التي تحكي عن الأيام الأخيرة لشركات ناشئة، وتلك التي تتحدث عن رحلة التغلب على أمراض عضال، والتعامل مع فقدان الوظائف، كما كان هناك قصص عن النجاح المحقق ولحظات الفخر الشديد. 

قرب نهاية رمضان، تحولت المبادرة الصغيرة القائمة على تبرعاتي أنا وفادي فقط، إلى مبادرة أكبر، جمعت خلالها المجموعة مايزيد عن ٧٠ ألف جنيه مصري

المنشورات كانت مذهلة وصادقة وإيجابية ومشجعة وتمس القلوب. إضافة لذلك، كانت هذه المنشورات بابا للمشاركين كي يتواصلوا مع أصدقائهم القدامى، وأن يكتشفوا جوانب أخرى من حياة أقاربهم، والتعرف على أناس جدد، ومناقشة سبل مهتلفة للتعاون والتشارك، بل إن بعضهم اكتسب عملاء جدد لشركاتهم وأعمالهم  (البعض حصل على أول زبائنه من خلال طلعة خير). لقد حصل المشاركون على نصائح تتعلق بعملهم، وأعطوا نصائحهم للآخرين. صار من الواضح أن فوائد #طلعة_خير لم  تعد مقصورة فقط على الجانب الخيري، بل إن كل منشور كان حرفيا عمل من أعمال الخير. مابدأ كقطرة صغيرة، صار نهرا جميلا وفياضا بالإيجابية والتضامن والتشجيع.  

بعد مرور ٣ أسابيع من رمضان، اختارت مجموعتنا أن تساند “مؤسسة علمني” Educate Me Foundation. جاء ذلك بعد أن شاركت ياسمين هلال، المديرة التنفيذية لعلمني وعضوة مجموعتنا، في حوار بالبث الحي لمدة ساعة، نقلت لنا من خلالها حياة وتجربة ٣٥٠ طفلا يستفيدون من المؤسسة بتعليم مجاني ذي جودة عالية. 

خلال الحوار، تذكرنا النقاط الصغيرة والأثر المضاعف. بدأت قصة “علمني” منذ سنوات طويلة، حين كانت ياسمين تسير في الشارع، وأوقفها أحد المارة، يطلب منها ٤٠ جنيها كي يدفع تكاليف مدرسة ابنته. وافقت ياسمين، بشرط أن تعطي المبلغ المطلوب للمدرسة مباشرة. وافق الرجل، واتفق الاثنان على ميعاد ومكان، وذهبت ياسمين إلى الموعد غير متأكدة إن كان هذا الرجل سيظهر أم لا. فوجئت ياسمين بأن الرجل وصل بالموعد، واصطحبته لدفع مصاريف المدرسة، لكنها ظلت مذهولة من أن هناك من لايستطيع أن يوفر لطفلته مصروفات المدرسة، مهما كانت زهيدة. 

بعد ١٠ سنوات، ودون خلفية أو خبرة في مجال التعليم، قررت ياسمين أن تنشئ “مؤسسة علمني”، واستطاعت من خلالها أن تجمع فريقا من المعلمين والموظفين ذوي الخبرة لتقديم خدمات تعليمية مجانية لأطفال حي الطالبية بمحافظة الجيزة. تأثير”علمنى” لايتوقف عند طلابها فقط، بل يمتد لأبعد من ذلك، فالمؤسسة توفر تدريبات للمدرسين حول أفضل سبل التعليم في الفصول في ٧ محافظات حول مصر، ويأملون أن متد نشاطهم لكل ركن في مصر. 

قرب نهاية رمضان، تحولت المبادرة الصغيرة القائمة على تبرعاتي أنا وفادي فقط، إلى مبادرة أكبر، جمعت خلالها المجموعة مايزيد عن ٧٠ ألف جنيه مصري لمساندة تعليم التلاميذ الرائعين في “علمني”. 

أؤمن بأن تجربة #طلعة_خير ستحيا في ذاكرة أعضاء مجموعة شبكة المصريين المهنيين لفترة طويلة. تقاربنا وتواصلنا سويا بأشكال لم نكن نظن أن من الممكن تحقيقها على شبكة تواصل اجتماعي. كشف الناس بشفافية عن نقاط ضعفهم، وتحدثوا عن نجاحاتهم بصراحة يندر الوصول إليها،  إلا أثناء الحديث مع مجموعة صغيرة من الأصدقاء المقربين. لقد ساندنا بعضنا البعض، واحتفينا ببعضنا البعض، ثم تعاونا من أجل تحقيق تأثير إيجابي سيدوم طويلا، وفي سبيل هدف أكبر منا جميعا. 

حين أفكر فيما حدث، أفهم أن في بعض الأحيان، كل مايتطلبه الأمر هو فكرة، يعقبها إيميل أو رسالة أو مكالمة هاتف كي يبدأ التنفيذ. في بعض الأحيان، كل مايتطلبه الأمر شخص واحد، وفي حالتنا كان هذا الشخص هو شريف، كي يؤمن بالفكرة ويبدأ الشعلة التي تنتقل من يد لأخرى وتزداد توهجا مع كل مشاركة جديدة.  في كل مرحلة من حياتنا، سنجد فرصا مختلفة كي نلعب دورا في موجة من التغيير الإيجابي. سواء كان هذا الدور صغيرا أم كبيرا، من المهم أن ننتهز الفرصة ونحافظ على استمرار تأثير سلسلة التغيير. 

إن كان هناك استنتاج تستخلصه من مقالتي هذه، فهي:  

عندك فكرة؟ ابدأ تنفيذها اليوم.  

وتذكر.. الإيجابية شعور معد. والفكرة الأصيلة تحسها القلوب، والأثر يتضاعف بسرعة. 

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.