fbpx

قراءة في مشهد التكنولوجيا المالية المصري ٢٠٢١: ما بين التطور التنظيمي وتنوع القادة

قراءة في مشهد التكنولوجيا المالية المصري ٢٠٢١: ما بين التطور التنظيمي وتنوع القادة

في الجزء الأول من المقال، قمت بتحليل جانب التمويل والاستثمارات، حيث استنتجت أن عام ٢٠٢١ شهد نموًا متسارعًا في التمويل، بنسبة هائلة بلغت ٣٨٠٪، لكن مازال أمامنا الكثير لتحقيقه.

 في الجزء الثاني، نلقي نظرة على الاتجاهات الرئيسية المختلفة التي شهدناها في عام ٢٠٢١ وما تعنيه في رحلة نمو قطاع التكنولوجيا المالية في مصر، بالتركيز على الجوانب التنظيمية.

 بادر العديد من قادة القطاع الريادي بالتركيز على التخطيط الاستراتيجي السليم، والتنفيذ الكفء لضمان مكانة مميزة ومستدامة في السوق،  وفي هذا السياق تمثل فوري مثال رائع على التجربة التي نجحت في إضافة قيمة حقيقية أدت إلى توسيع نطاق أعمالها في سوق متنامٍ.

استمرت وتيرة التطور التنظيمي في عام ٢٠٢١، بالتزامن مع عدد من المبادرات الرئيسية حيث:

يعد عام ٢٠٢٠ عامًا مميزًا من حيث الجانب التنظيمي، إذ اتسم بالجدية والسعي الحقيقي لخلق بيئة تنظيمية مناسبة، تتسق مع النظام البيئي لريادة الأعمال وتحديدًا قطاع التكنولوجيا المالية، الأمر الذي استمر بشكل ملحوظ في عام ٢٠٢١.

إذ شهدنا تقدمًا كبيرًا من خلال “قانون التكنولوجيا المالية” الذي يحكم أنشطة التكنولوجيا المالية غير المصرفية، حيث تمت الموافقة عليه من قبل لجنة مجلس النواب في أكتوبر ٢٠٢١ وتم التوقيع والمصادقة عليه بشكل نهائي في بداية ٢٠٢٢، وهو القانون الذي تتحمل هيئة الرقابة المالية بموجبه مسئولية تنظيم أعمال شركات التكنولوجيا المالية الناشئة.

شهدنا كذلك في عام ٢٠٢١، وضع لوائح تنظيمية تتعلق بـ”شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة” أو ما يعرف بـ SPACs، فضلًا عن قانون التأمين الجديد الذي من المقرر أن يتم إصداره بشكل كامل خلال العام الجاري.

كما واصلت الكيانات الحكومية دفع الابتكار وتعزيز الشمول المالي من خلال العديد من المبادرات التي ضمت على سبيل المثال: المدفوعات الفورية، وتراخيص المدفوعات غير التلامسية عبر الهاتف المحمول، وبوابة المحفظة الإلكترونية المقرر إطلاقها عام ٢٠٢٢، كما استمر البنك المركزي المصري، من جانبه، في جذب أفضل المواهب لقيادة خطته لدعم التكنولوجيا المالية، بالتعاون مع العديد من رواد هذا المجال الواعدين والمبتكرين، وعلى الرغم من ذلك، ما زلنا متأخرين فيما يتعلق بتكنولوجيا الخدمات المصرفية المفتوحة مثلًا أو العملات المشفرة وغيرها من مجالات التكنولوجيا المتطورة، ولكن سرعة اتخاذ الإجراءات الأخيرة، والرغبة الملحة في إحداث فرق، تشكلان علامة إيجابية واعدة.

البداية عند الشراء الآني والدفع اللاحق:

أصبح المشهد التنافسي لشركات الشراء الآني والدفع اللاحق BNPL، أشبه بساحة معركة، مع العديد من الوافدين الجدد الذين يقاتلون من أجل الحصول على حصة في السوق، حيث واصلت ValU، ذراع المجموعة المالية هيرميس، إظهار نمو مثير للإعجاب، إذ سجلت الشركة نتائج نمو قوية في الأشهر التسعة الأولى لعام ٢٠٢١، وذلك بعد أن نجحت في تحقيق نسبة نمو في الإيرادات بلغت ٣٤٤٪ في ٢٠٢٠، فضلًا عن ارتفاع الإيرادات بنسبة بلغت ٢٢٩٪، مقارنة بالأشهر التسعة الأولى من عام ٢٠٢٠، لتصل إلى ٢١٧ مليون جنيه.

كما وقد أصبح السباق على الحصة السوقية لهذا القطاع أكثر حدة من أي وقت مضى، حيث انضمت إلى ساحة هذه الخدمة الجديدة كلًا من فوري، و MNT Halan; الشركات التي تعد عملاقة في مجال التكنولوجيا المالية في منطقتنا، والتي لا يُتوقع أن ترضى بأي شيء أقل من ريادة السوق.

كذلك شاهدنا Sympl التي أسسها الرئيس التنفيذي السابق لشركة ValU، فضلًا عن عدد من البنوك التي تستكشف مجال الشراء الآني والدفع اللاحق BNPL.

تتزايد، على الرغم من ذلك، المخاوف حول العالم -وليس مصر فقط- من التأثير السلبي لخيار الشراء الآني والدفع اللاحق على الرفاهية المالية للمستهلكين، حيث قد ينغمسون في إنفاق أموال هم بالأساس لا يملكونها، مما يعمق من ديونهم; لذا لم يكن من الغريب أن تظهر موجة من التشديد التنظيمي في العديد من الدول، للمساعدة في تثقيف المستهلكين وتوفير الرقابة على مقدمي هذه الخدمة.

فوري و EFG .. تطلع للمستقبل واستثمارات طموحة 

اتخذت كلا الشركتين خيارات استراتيجية سواء كانت استثمارات أو شراكات، للتعبير عن رهانهم على المستقبل، ففي العام الماضي استثمرت فوري أكثر من مرة في لاعبين محليين وإقليميين، رذ كانت قد استثمرت سابقًا في شركة بوسطة، المتخصصة في خدمات التسليم عند الطلب، في عام ٢٠١٧ ومرة ​​أخرى في عام ٢٠٢٠، مما ساعد الشركة على تنمية عملياتها. 

وفي عام ٢٠٢١، استثمرت فوري في منصة السوق السودانية، حيث تقوم بدور محوري في مساعدة الشركة على بناء تطبيق التكنولوجيا المالية الخاص بها وتوسيع نطاق عملياتها، بالإضافة إلى ذلك، استثمرت الشركة  في تطبيق المنيوز، المتخصص في خدمات توصيل الطعام، مما يضع فوري في مكانة مميزة في قطاع المشروبات والأغذية، فضلًا عن الاستثمار في منصة التجارة الإجتماعية بريمور الذي يعبر عن دعم الشركة الكبيرة للمشاريع الناشئة. 

من ناحية أخرى، تخطط المجموعة المالية هيرميس أيضًا لمستقبلها في مجال التكنولوجيا المالية، من خلال التعاون مع ValU، حيث قامت المجموعة المالية بثلاث استثمارات وشراكات استراتيجية تستحق تسليط الضوء عليها، ومنها: شركة دايرة الناشئة القائمة على البيانات، والتي أسسها المصرفي السابق للمجموعة المالية هيرميس، وكذلك Kiwe، منصة المدفوعات الرقمية، بالإضافة إلى شركة Klick-it التي تمثل منصة للمدفوعات والتحصيل. 

استثمرت المجموعة المالية أيضًا من خلال الذراع الريادي لها EFG EV Fintech، وبالشراكة مع مسرعة أعمال فلك،  في العديد من الشركات الناشئة الأخرى الواعدة والتي تضم على سبيل المثال: شركة رصيدي، ومُزارع، وZvendo، وفاتورة.

ستسمح كل هذه الاستثمارات والشراكات الاستراتيجية لشركتي فوري والمجموعة المالية هيرميس، بلعب دورًا هامًا في مجال التكنولوجيا المالية في المنطقة.

أخيرًا ..  شركات التكنولوجيا المالية المصرية خارج الحدود المحلية

بدأ التوسع الإقليمي في العامين الماضيين -ليس فقط لشركات التكنولوجيا المالية المصرية ولكن للشركات الناشئة في كافة المجالات-، على خطى  شركات مثل سويفل، وفيزيتا وغيرهما. 

على الرغم من أن التوسع الإقليمي للمشروعات الناشئة يوفر لها نطاقًا واسعًا وميزة الحركة المبكرة في الدول التي تشبه مصر، يبقى من الصعب تحقيق أو الاستفادة من هذا التوسع بشكل صحيح.

لا يزال النظام البيئي الإقليمي ناشئًا وغير ناضج نسبيًا، مع وجود فرص للشركات الناشئة لتولي مناصب قيادية إذا تحركت مبكرًا. ومع ذلك، فقد شهدنا تدفقًا للتمويل إلى المنافسين الإقليميين، وتركيزًا متزايدًا على النمو الإقليمي كميزة تنافسية، الأمر الذي يعني ضرورة تحرك الشركات الناشئة المصرية بسرعة في هذا الاتجاه إذا أرادت أن تغتنم هذه الفرصة.

أوضحت شركة فوري نيتها في التوسع خارج مصر من خلال استثمار شركة السوق، كما تخطط MNT-Halan لتوجيه التمويل الذي تم جمعه حديثًا للاستخدام الجيد، كما تقوم ValU بالتوسع في السعودية وشمال إفريقيا. كما تقدمت PayMob بطلب للحصول على ترخيص في السعودية، وتتطلع Dopay إلى التوسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد غلق الجولة الاستثمارية الأولى لها، بينما توسعت شركة Lucky بالفعل إلى المغرب.

تعاون متزايد من جانب شركات التكنولوجيا المالية الناشئة لتوسيع نطاق أعمالها 

يمثل تعاون شركات التكنولوجيا المالية الناشئة مع غيرها من الشركات الناشئة والمؤسسات المالية التقليدية لتوسيع نطاق أعمالها، من أبرز الاتجاهات التي ميزت عام ٢٠٢٠ والتي زادت بالتبعية في عام ٢٠٢١ ومن الأمثلة على ذلك شركات مثل: أوبر وPaymob، وOPay، والبنك الأهلى المصري، وValU وجوميا، وMoneyFellow مع وفرها، وبنك مصر، وماستركارد، وباي ناس، وإعلاني، بالإضافة إلى خزنة مع المصرية ديجيتال ومصرف أبوظبي الإسلامي،  وفيزا وأمان والكثير من الأمثلة الأخرى.

هل تبرز تكنولوجيا التأمين أخيرًا؟

في مراجعتي لعام ٢٠٢٠، أعربت عن خيبة أملي من بطء وتيرة التطوير في مساحة تكنولوجيا التأمين، الأمر الذي استمر في عام ٢٠٢١ حيث مازلنا بعيدًا عن المكان الذي يجب أن نكون فيه، وإن شهد تطورًا قليلًا مقارنة بالعام السابق عليه.

نجح تطبيق أمنلي في جمع تمويلًا أوليًا بقيمة ٢,٣ مليون دولار في أكتوبر الماضي، الاستثمار الذي نطمح لأن يساعده على تنمية بصمته في قطاع التأمين التقليدي، كما دخلت شركة Bringy في شراكة مع AXA العالمية للتأمين على السيارات.

نظرة على عام ٢٠٢١

إذا نظرنا لعام ٢٠٢١، فسنجد أنه كان عامًا متطورًا بشكل كبير بالنسبة لشركات التكنولوجيا المالية المصرية، حيث بدأت جميع جوانب النظام البيئي رحلة النمو الواعدة.  ومع ذلك، فقد تركز النشاط بشكل كبير على المدفوعات الرقمية وخيارات الإقراض، الأمر الذي يجب أن نحاول تغييره من أجل الحصول على نظام بيئي قوي ومتنوع ومتوازن، إذ نحتاج إلى رؤية المزيد من النشاط في المجالات الأخرى مثل الخدمات المصرفية المفتوحة والخدمات المصرفية الرقمية وتكنولوجيا تأمين العملات المشفرة وغير ذلك الكثير.

بدأ عام ٢٠٢٢ بشكل جيد حتى الآن، إذ شهد التصديق بشكل كامل على قانون التكنولوجيا المالية، وجمع شركة ثاندر للتكنولوجيا المالية والاستثمار الرقمي لـ ٢٠ مليون دولار، وغيرها.

كما أنه من المحتمل أن نشهد تسارع في عمليات الاندماج والاستحواذ في قطاع التكنولوجيا المالية في العام الحالي، على غرار ذلك الذي انتشر بين شركات التجارة الناشئة في مصر للعام الماضي ٢٠٢١.

سوف تساعد عمليات التخارج، سواء من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ أو الاكتتابات الأولية أو شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة SPACs، في خلق تأثير “الدومينو” لرواد الأعمال الذين يتطلعون إلى بدء مشاريع جديدة وجذب المستثمرين.

عادةً ما يتم تذكر رحلات النمو بفترات معينة مرتبطة بها مثلت الدافع والمحرك الأساسي لها، وفي حالتنا، سوف نتذكر فترة ما بعد الأزمة المالية باعتبارها الدافع الحقيقي لنمو قطاع التكنولوجيا المالية، كما سنذكر العامين الماضيين والسنوات القليلة القادمة باعتبارها عصر العملات المشفرة والويب الثالث Web3، وغيرها.

أعتقد أن السنوات الأربع إلى الخمس المقبلة ستُذكر على أنها سنوات محورية بالنسبة لشركات التكنولوجيا المالية المصرية، فهي فترة ستنتقل بالنظام البيئي من مجموعة من المبادرات الواعدة- والتي يمكن تغطيتها في مقالة أو اثنتين -، إلى نظام بيئي أكثر نضجًا وترابطًا وابتكارًا وتكاملًا في الاقتصاد، فعلى الرغم من التحديات المعقدة، إلا أن المستقبل لا يزال واعدًا كما كان دائمًا.

اقرأ أيضًا: قراءة في مشهد التكنولوجيا المالية المصري ٢٠٢١: رحلة نمو واعدة

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.