fbpx

خالد بشارة.. حياة أطول من عمر واحد

المدير التنفيذي السابق لأوراسكوم للتنمية رحل عن عالمنا بعد رحلة ثرية بالنجاح والإنجازات
خالد بشارة.. حياة أطول من عمر واحد
خالد بشارة، المدير التنفيذي السابق لمجموعة أوراسكوم للتنمية

“ماهي الخلطة السرية وراء رائد الأعمال الناجح؟”

أمام حضور مؤتمر تيد إكس TEDx القاهرة في ٢٠١٣، وقف رجل الأعمال الراحل خالد بشارة ووجه لهم السؤال، قبل أن يجيب: “مبدئيا، لايوجد خلطة سرية.. الحقيقة أن هناك ثوابت بسيطة.. من مدى وضوحها وبساطتها،  قد لا يصدق الناس أنها الثوابت وراء كل نجاح، فلا يطبقونها”. 

وقت محاضرته، كان بشارة قد عاش واحد وأربعين عاما، حقق خلالها نجاحات مبهرة. اتبع بشارة في حياته أول قاعدة ثابتة للنجاح: افعل ماتحب. تخصص بشارة في هندسة الكمبيوتر بالجامعة الأمريكية، عكس توقعات عائلته بدراسة إدارة الأعمال. اختار أن يبتعد عن الالتحاق بالبيزنس العائلي، وأن يؤسس شركته الخاصة. 

يقول بشارة في كلمته: “ربما كانت كلمة شغف قليلة.. يجب أن تعشق ماتفعله حتى تتميز فيه”، وبالفعل، كان عشق بشارة للبرمجيات والتكنولوجيا دافعا له كي يبتكر فكرة سابقة لأوانها: موقع على الإنترنت لحجز غرف الفنادق. بعد دراسات ومداولات مع شركائه، بدأ بشارة في تنفيذ فكرته.  

وقت أن حاول بناء هذا الموقع، لم يكن الإنترنت قد دخل بيوت المصريين بعد. كانت شركات الإنترنت تتسابق على الحصول على تصاريح لبدء إدخال الإنترنت إلى المنازل على نطاق واسع، ولم يتحمس أي منها لتنفيذ فكرة بشارة. 

عندها، طبق بشارة ماوصفه بأنه القاعدة الثابتة الثانية لنجاح أي شركة: إن كان لديك فريقا جيدا، تستطيع التغلب على المصاعب. يقول بشارة: “لاأظن أن هناك أي شركة كبيرة، مهما بلغت قوتها، أقرت خطة واضحة لم تتغير أبدا.. يجب أن يكون لديها فريق قوي قادر على التأقلم مع المتغيرات”. 

الشغف ليس كافيا.. عليك أن تعشق ماتفعله حتى تنجح فيه

خالد بشارة، المدير التنفيذي السابق لمجموعة أوراسكوم للتنمية

بالفعل، استطاع بشارة أن يقود فريقه لتغيير خطتهم بالكامل، وبدلا من إنشاء موقع، قرروا إنشاء شركة لخدمات الإنترنت. طاف ببشارة على المستثمرين، يقنعهم بأهمية هذا “الاختراع” الجديد المسمى بالإنترنت، واستطاع أن يجمع مبلغا هائلا وقتها: مليون جنيه مصري، أنشأ بها شركة “لينك مصر”، التي صارت فيما بعد “لينك دوت نت”. 

نجحت لينك التي تأسست في ١٩٩٢ بالنمو والتوسع، واستحوذت أوراسكوم على النسبة الأكبر من الشركة في ١٩٩٩، لكن سوق الإنترنت في مصر كان شديد التشظي، حافل بعدد ضخم من المتنافسين دون وجود لاعب قوي يستطيع تقديم خدمات ذات جودة عالية. عام ٢٠٠٢، نجح بشارة في تحقيق ذلك، حين استحوذ على واحد من منافسيه “إنترنت مصر”، و٨ شركات أخرى صاحبة مواقع الإنترنت الأبرز في هذه الفترة، تغطي مجالات الاقتصاد، والترفيه، والأخبار، والتجارة الإلكترونية، والعقارات، والألعاب والترفيه، واستمر منها حتى اليوم موقع مصراوي الإخباري، و”آراب فينانس” لتداول الأوراق المالية، و”اطلب” لتوصيل الطعام.

دخلت لينك أيضا شراكة مع ميكروسوفت لإنشاء بوابة إم إس إن MSN، التي كانت البوابة الرئيسية للعديد من مستخدمي الإنترنت بالعربية. منذ ذلك الحين، صارت لينك أكبر مزود إنترنت في مصر، بأكثر من ١٥٠٠ موظف، وقيمة سوقية وصلت آنذاك إلى ٨٠ مليون دولار. 

إرث بشارة الممتد

القاعدة الثالثة للنجاح: الحظ هو التقاء الفرصة بالاستعداد. 

عام ٢٠٠٥، استحوذ رجل الأعمال نجيب ساويرس على شركة ويند Wind الإيطالية للاتصالات مقابل ٣ مليارات دولار، وكانت الشركة هي ثالث أكبر شركة اتصالات في إيطاليا، وتعاني من الخسائر المتزايدة بسبب المنافسة الشرسة. وقتها، كان بشارة عضوا في مجلس إدارة أوراسكوم القابضة، ومديرا للينك التي كانت أرباحها تصل إلى ٢٠ مليون دولار سنويا. 

عرض ساويرس على بشارة منصبا جديدا كمدير قطاع الخطوط الأرضية في ويند، وهو القطاع الذي كان يدخل للشركة مايزيد عن المليار وستمئة مليون دولار سنويا. “سألت نجيب (ساويرس) وقتها، هناك صفرين بين أرباح هذه الوظيفة والأخرى.. هل أنت متأكد من أنك تريدني في هذا المنصب؟”، يروي بشارة، وكانت الإجابة بالإيجاب. 

يقول بشارة أنه يدرك دور الحظ في نجاحه: “لو لم أكن أعرف نجيب، لما عرض علي هذه الوظيفة..لكن لولم تكن جاهزا حين تأتي هذه الفرصة، فلن تستطيع أن تستغل هذا الحظ”. يستطرد بشارة: “الفرصة تأتي من الله.. لاأحد يستطيع أن ينسب نجاحه بالكامل إلى نفسه فقط، لكن نجاحك هو أنك حين تأتيك هذه الفرصة المناسبة، تكون جاهزا لها”. 

اعمل كثيرا، تحدث قليلا

خالد بشارة، المدير التنفيذي السابق لمجموعة أوراسكوم للتنمية

سافر بشارة إلى إيطاليا، وهناك بدأ سلسلة من الاجتماعات التي يحاول أن يفهم من خلالها أسباب فشل الشركة، “لم تكن الاجتماعات عن الأرقام وخطط العمل، بل عن الفريق وبيئة العمل”. بعد استبدال ٢٠ قيادة بالشركة، بدأت الشركة في التحول للربح مرة أخرى بعد سنة واحدة.

 يصل بشارة في كلمته إلى القاعدة الرابعة للنجاح: الموازنة بين أهل الخبرة وأهل الكفاءة. يقول أن المدير الناجح عليه أن يكافئ الولاء، بأن يهتم بالقيادات التي ظلت أعواما تعمل إلى جانبه، من خلال منحهم تدريبات لتطوير مهاراتهم، وإسنادهم مسؤوليات أعلى، وليس من خلال منحهم مناصب ومكافآت آلية بناء على فترة عملهم فقط. 

على مدار حياته، ظل بشارة يطبق ماينصح به في حياته وعمله، محققا إنجازات مذهلة، حتى أصبح في ٢٠٠٩ المدير التنفيذي لمجموعة أوراسكوم للتنمية. تجاوزت إنجازاته قطاع الاتصالات والتكنولوجيا الذي عمله به على مدار حياته، ليسهم برؤيته في تنفيذ مهرجان الجونة السينمائى، وإدارة نادي الجونة الرياضي.

تحدث بشارة في أكثر من مناسبة عن أنه حين بدأ إنشاء شركته الخاصة في عمر الأربعة وعشرين، لم يكن في مصر ثقافة ريادة الأعمال التي تمهد الطريق أمام الشباب الآن بدء مشروعاتهم والحصول على تمويل بسهولة نسبية. لذلك، ظل شغوفا بالشركات الناشئة، وحريصا على أن يثري بيئة ريادة الأعمال في مصر.

لعب بشارة دورا محوريا في إنشاء مؤتمر إنجل أوازيس Angel Oasis للمستثمرين الملائكيين، وتأسيس مساحة العمل المشترك جي سبيس Gspace في الجونة. أدار بشارة صندوق رأس المال المغامر أكسليرو كابيتال للاستثمار في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، إضافة لدوره كمرشد لصندوق A15، الذي استثمر في بعض أنجح الشركات الناشئة المصرية.

في نهاية كلمته، أعطى بشارة نصيحة أخيرة لجمهوره: “اعمل كثيرا، تكلم قليلا”. غيب الموت بشارة عن عمر ٤٨ عاما، بعد أن عاش حياة تثبت أن كلامه كان صادقا للغاية.

اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.