“الفكرة” قد تكون أقيم مايملكه مؤسس الشركة الناشئة، خاصة في المراحل المبكرة. الكثير من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط تشعر بالقلق حول الإفصاح عن تفاصيل فكرتها، خوفا من أن تتعرض للسرقة او النسخ. أغلب هذه الشركات، في نهاية الأمر، يتخطون هذا الخوف، ويتفهمون أن الفكرة في الحقيقة ما هي إلا عنصر صغير في الصورة الكبرى لنجاح أو فشل الشركة. لكن في بعض الحالات، الفكرة تعلب دورا أكبر من المعتاد، وقد تكون الفكرة هي حجر الأساس للشركة كلها، كأن يكون هناك اختراع أو ابتكار تسعى الشركة للاستفادة منه تجاريا.
تعد فيلكرو Velcro مثالا لهذا النوع من الشركات، فالشركة بفروعها حول العالم قائمة على الاستفادة من فكرة الشريط اللاصق القوي، ونشره تجاريا في منتجات مختلفة. هناك شركات أخرى تبتكر على مدار عملها، مثل أوبر Uber، التي بدأت في مجال مشاركة السيارات، لكنها حصلت على براءات اختراع عديدة في مجالات تحديد الموقع الجغرافي، والأمن، والسيارات ذاتية القيادة، والعديد من المجالات الأخرى.
في كل الحالات، فإن الابتكارات هي ممتلكات فكرية للشركة، ومثل كل الممتلكات، قد تكون قيمتها مرتفعة أو منخفضة. من الممكن أن تصبح أداة لمساعدة الشركة على النمو وحماية مكانتها، أو قد تصبح أمرا مكلفا يستهلك الكثير من المال والوقت دون عائد حقيقي. إذا، كيف تقرر إن كان من الصواب التقدم للحصول على براءة اختراع؟ وكيف وأين يمكنك ذلك؟
في السطور القادمة، أستعرض بعض جوانب الملكية الفكرية، بهدف مساعدة الشركات الناشئة في الشرق الأوسط في التعرف على الموضوع، اعتمادا على خبرتي كمدير تنفيذي لشركة تكنولوجيا، وتعاملي مع نزاعات الملكية الفكرية.
هل حقا تمتلك ابتكارا أم لا؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب في البداية إجراء بحث في براءات الاختراع. كل مرة أستمع فيها لعرض ما من شركة تتحدث فيها عن “اختراع” أو “ابتكار” أو “منتج فريد من نوعه”، أو تصميم غير مسبوق، أذهب إلى محرك البحث “جوجل لبراءات الاختراع“، أو غيره من قواعد البيانات، محاولا البحث عن أفكار شبيهة. قد يكون هناك براءة اختراع عن تصميم لأحد أجهزة إنترنت الأشياء، أو تحويل تطبيق ما إلى ما يشبه لعبة من ألعاب الكمبيوتر، فيما يعرف باللوعبة، Gamification، أو مادة جديدة في صناعة الملابس، أو طريقة لفصل المخلفات، أو أسلوب لتصويب النصوص، أو تحسين جودة الوجوه في الصور. البحث المبدئي دائما ما يفضي لأسئلة أكثر، ومثل أي عملية بحث، يمكننا دائما أن نتعمق أكثر وأكثر.
البحث في براءات الاختراع خدمة يقدمها متخصصون ولكن نصيحتي المبدئية هي أن تبحث أولا عن منتجات أو أفكار شبيهة متواجدة في السوق بالفعل، واللجوء لمصادر متعددة على الإنترنت.
هل يمكن حماية هذا الابتكار ببراءة اختراع؟
الملكية الفكرية غالبا ماترتبط ببراءة اختراع، لكن هناك أساليب أخرى لحمايتها، مثل الاحتفاظ حقوق النشر وتسجيلها. من المستحيل أن تنجح في الحصول على براءة اختراع إن كان ابتكارك هو في الأساس برنامج كمبيوتر، لكن هناك وسائل أخرى لحماية ابتكارك من خلال حقوق النشر. يمكنك قراءة هذا المقال، والذي يتحدث تفصيلا عن كيفية التقدم للحصول على حقوق النشر كي تعظم من حماية برنامج. وفي بعض الحالات يمكن الحصول على براءات اختراع متعلقة بلوغارتيمات بعينها، أو بعض الأفكار المبدئية لكيفية سير العمل.
هل من الصواب دائما الحصول على براءة اختراع؟
في بعض الأحيان، يمكن الحصول على براءة اختراع لابتكار بعينه، لكن هذا يتطلب الكشف الكامل عن “المكون السري” لهذا الابتكار. خلال عملي السابق، ابتكر شريكي وسيلة موفرة للغاية لصناعة كروت الهوية التي تعتمد على موجات الراديو RFID، والذي تطلبت صناعته مكونا كيميائيا بعينه يستخدم في صناعة النسيج. تناقشنا كثيرا حول إن كان من الأصوب أن نحصل على براءة اختراع أو لانحصل عليها. تجاهل الحصول على براءة اختراع يعني أن المنافسين قادرين على الكشف عن تصميمنا بعد فترة، لكن لحين وصولهم لهذا السر، سنكون قد سبقناهم بالفعل. قررنا في النهاية أن نحصل على براءة اختراع، لكن في بعض الأحيان، قد يكون الأصوب هو عدم التقدم للحصول عليها، والتزام السرية الكاملة.
براءات الاختراع كسلاح هجومي أو دفاعي
بعض المجالات داخل قطاع التكنولوجيا يتركز فيها عدد ضخم من براءات الاختراع. في مجالي، وهو تقنيات الأمن وأنظمة الهوية الإلكترونية، هناك العديد من براءات الاختراع المرتبطة بالتعرف على موجات الراديو والاتصالات قريبة المدى، وهي التقنيات المستخدمة في التواصل الآمن بين الأجهزة المختلفة القريبة من بعضها لبعض. في هذه الحالة، هذه البراءات تعد أسلحة هجومية ودفاعية في ذات الوقت. المقصود بالسلاح الدفاعي، هو أن تعمل بحرية دون تهديد مستقبلي من اتهامات الاعتداء على الملكية الفكرية لآخرين. أما السلاح الهجومي، فيعني استخدمها ضد أي شخص أو شركة تتعدى على ملكيتك الفكرية، ومنعهم من إنتاج منتجات شبيهة، كي تضمن لنفسك إنتاج هذا الابتكار حصريا.
أين تتقدم بأوراقك؟
أول إجابة على ألسنة الجميع هي أن تحصل على براءة اختراع في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها البلد ذات السوق الأكبر، والتعويضات الأعلى في حالة التعدي على حقوقك الفكرية. فضلا عن ذلك، فمكتب براءة الاختراعات الأمريكي يميل لمنح براءات أوسع مجالا مما قد تعطيه المكاتب المماثلة في البلدان الأوروبية. لكن الحصول على هذه البراءة في أمريكا مكلف ويتطلب وقتا طويلا. لذا، فالإجابة قد تكون: قدم على براءة في مصر أو السعودية، خاصة إن لاحظت أن القطاع الذي تعمله به يعج ببراءات أخرى، وإن كنت لاتنوي دخول السوق الأمريكي.
بعض الأحيان، يكون هدفك الرئيسي من الحصول على براءة اختراع دفاعيا، أي أن تعمل بحرية دون تهديد مستقبلي من اتهامات الاعتداء على الملكية الفكرية لآخرين. في هذه الحالة، فالخيار الأرخص والأسرع هو دائما الأفضل. أما في حالة أن الغرض منها هجومي، فقد يكون من الأنسب أن تتقدم بأوراقك في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
هل براءات الاختراع مفيدة في جذب الاستثمارات؟
نعم ولا! “نعم”، لأنها توفر للمستثمر دليلا ملموسا على أن هناك ابتكار وميزة تقنية. إضافة لذلك، فالكثير من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط تسعى لأن يتم تقييمها كشركات تكنولوجية، رغم أنها ليست كذلك. براءة الاختراع تصبح في مثل هذا الموقف عاملا مميزا للشركة الناشئة عن غيرها من المنافسين.
لكن الإجابة قد تكون أيضا “لا”، فبراءة الاختراع مكلفة للغاية للشركات المعتمدة عليها، كما أنها تصعب من عملية إعادة التمحور. بعض الشركات قد تتجاهل حلولا سهلة ومثالية، لارتباطها الوثيق بأن يكون كل ماتنتجه مرتبطا ببراءة الاختراع الذي تملكه، مما يضعها في خانة “الحل الذي يبحث عن مشكلة”. ناهيك أيضا عن أن الاستثمار في شركة ناشئة لديها براءات اختراع يصعب من عملية الفحص النافي للجهالة والدراسات التي يجريها المستثمرون قبل قرار الاستثمار، وهو ما قد يسهل أو يصعب حصد الاستثمارات.
في النهاية، فإن براءة الاختراع مثل أي أصل تملكه الشركة الناشئة، عليها أن تكون أداة للشركة، وعملية حمايتها عليها أن تتسق مع باقى أهدافها.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.