خلال وظيفته السابقة في إحدى شركات إنتاج الكتب الصوتية في السويد، لاحظ سباستيان بوند أمرا استعدى انتباهه.
“الأمر غريب جدا. اللغة العربية واحدة من أكثر اللغات انتشارا في العالم، لكن إنتاج الكتب الصوتية بالعربية معدوم”، يقول بوند.
كان بوند يطوف مدارس السويد ويدرس احتياجاتهم من الكتب الصوتية، حين لاحظ عام ٢٠١٥ طلبا متزايدا من المدرسين على الكتب الصوتية العربية. خلال هذه الفترة، شهدت سوريا موجات من اللجوء الهجرة مع تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وصل منهم للسويد خلال هذه الفترة مايزيد عن المئة ألف. واجه المدرسون السويديون تحديا كبيرا في التواصل مع الطلبة المتحدثين بالعربية، خاصة أن بعضهم قد اضطرته ظروف الحرب للتأخر في الدراسة. بحثوا عن كتب صوتية بالعربية تعينهم على المهمة، فلم يجدوا.
“عندها، أدركت أن هناك فجوة في السوق تحتاج من يسدها،” كما يقول بوند.
أنشأ بوند أول مشروع تجاري في حياته حين كان في السابعة عشر من عمره، حين اعتاد تنظيم رحلات تزلج في الريف السويدي. عام ٢٠١٦، قرر أن ينشئ شركته في الجانب الآخر من العالم، واليوم تعد الشركة الرائدة في مجال نشر الكتب الصوتية باللغة العربية.
القاهرة.. بيروت.. دبي
اعتمد بوند على مدخراته لإنشاء شركة كتاب صوتي Kitab Sawti، وبدأ رحلته بالسفر إلى عواصم عربية كثيرة للحديث مع الكتاب ورواد صناعة النشر.
“الكثير من الكتاب قالوا لي صراحة، لاتتعب نفسك. العرب لا يقرأون”، يقول بوند أن ردود الفعل الأولية تجاه فكرة كانت سلبية، “لكني وجتد رأيهم عجيبا للغاية، لا أصدق أن هناك شعوبا بأكلمها لاتقرأ”، يقول بوند، مضيفا أن الاستماع أيضا يختلف عن القراءة، فالاستماع إلى حكاية مسلية هو أمر يحبه الجميع منذ طفولتهم. يضيف بوند أن كثير من العاملين في صناعة النشر بالعالم العربي لم يكونوا واعين لمفهوم الكتب الصوتية، وبالتالي كانوا يشككون في إن كان هناك من سيدفع أموالا مقابل مثل هذه الخدمة.
“للأسف، لايوجد نظام موحد للناشرين العرب لجمع وتصنيف هذه المعلومات، وهو أمر يجعل أي تعامل رقمي مع الكتب العربية أمر شديد الصعوبة”
سباستيان بوند، مؤسس كتاب صوتي
لم يكن هذا التحدي الوحيد، فقد اصطدم بوند بالعديد من مشكلات صناعة النشر في العالم العربي، مثل تركز أغلب عمليات البيع داخل معارض الكتاب مما يحد من الفترة الزمنية التي تحدث فيها أغلب عمليات البيع. لكن التحدي الأكبر كان عدم اهتمام أغلب الناشرين بالبيانات الوصفية للكتب، وهي البيانات التي تتضمن رقم النشر الدولي للكتاب، وعدد صفحاته، وموضوعه وغيرها من المعلومات عن طبيعة الكتاب. هذه المعلومات لاغنى في بيع الكتب الإلكترونية، فهي التي تتيح عمليات البحث والفهرسة والتصنيف وغيرها. “للأسف، لايوجد نظام موحد للناشرين العرب لجمع وتصنيف هذه المعلومات، وهو أمر يجعل أي تعامل رقمي مع الكتب العربية أمر شديد الصعوبة”.
رغم كل شيئ، استمر بوند في خطته، واستمر في دراسة السوق، يراقب أكثر الكتب التي يسعى القراء لقرصنتها لمعرفة أكثرهم شعبية، ويراقب وسائل التواصل الاجتماعي، لفهم المنطقة. أطلق بوند تطبيق كتاب صوتي، وعليه بضعة كتب مسجلة تم اختيارها بناء على هذه الدراسات، بعد أن قرر أن يتم تسجيل الكتب بلهجتها الأصلية، فالكتب المكتوبة بالفصحى مسجلة بالفصحى، والمكتوبة باللهجة المصرية، بنفس لهجتها، وهكذا.
أواخر ٢٠١٦ بدأ كتاب صوتي يجتذب بعض الاستثمارات الخاصة التي ساعدته في التوسع، وعام ٢٠١٧ ازدادت الاسثتمارات بدخول إثنين من مؤسسي كريم، عبدالله إلياس وماجنس أولسن. بحلول ٢٠١٩، حصد التطبيق أكثر من مليون تنزيل حول العالم، ويحوي التطبيق مايزيد عن ألفي كتاب، واتسع فريق الشركة ليشمل ٢٥ موظفا، موزعين بين ستوكهولم في السويد، وباريس، والقاهرة، ودبي، ونابلس. شهر مايو ٢٠١٩، أغلق كتاب صوتي جولته التمويلية الأولى حاصدا ٦ ملايين دولار من عدد من المستثمرين، على رأسهم “بونير فينشرز” Bonnier Ventures، وهو صندوق رأسمال مغامر تابع لـ”بونير” Bonnier، التي تعد واحدة من أكبر دور النشر في العالم، إضافة لمجموعة الاتصالات الفلسطينية، وكاف للاستثمارات في دبي.
مستقبل أفضل للكتب الصوتية
يتبع كتاب صوتي نموذج الفريميام، فيتيح بعض الكتب المجانية للجمهور قبل أن يطلب منهم اشتراكا شهريا يختلف قدره من دولة لأخرى، وتدفع لدور النشر مقابل الاحتفاظ بحقوق الملكية الفكرية.
“الكتب الأكثر شعبية على التطبيق متنوعة للغاية، بين روايات مترجمة لدان براون، إلى كتب التنمية الذاتية إلى الروايات، وهو مايشير للتنوع في اهتمامات الجمهور”
سباستيان بوند، مؤسس كتاب صوتي
مستخدمو كتاب صوتي ينتشرون في ١٠٠ دولة، لكن العدد الأكبر في مصر، تليها المملكة العربية السعودية. “الكتب الأكثر شعبية على التطبيق متنوعة للغاية، بين روايات مترجمة لدان براون، إلى كتب التنمية الذاتية إلى الروايات، وهو مايشير للتنوع في اهتمامات الجمهور”، يقول بوند، مضيفا أن أكثر الكتاب شعبية هو الروائي المصري عبدالمجيد، ومن السعودية محمد حسن علوان. طبقا لإحصائيات كتاب صوتي، فأن أعمار أغلب مستخدميهم بين ١٨ و٣٥، وينقسمون بالتساوي تقريبا بين الرجال والنساء، “وهو أمر مختلف عن أوروبا، فأغلب جمهور الكتب الصوتية هناك من النساء”، كما يقول بوند.
عام ٢٠١٨، أطلقت أمازون أول نسخة من قارئها الإلكتروني “كندل” يستطيع أن يقرأ اللغة العربية، وبدأت في التوسع بشراء حقوق الكتب الإلكترونية لكتب مختلفة. وتملك أمازون منصة audible التي تعد أكبر منصة للكتب الصوتية في العالم، لكنها لاتتيح بعد كتبا صوتية عربية.
يؤكد بوند أنه لا قلق الآن نهائيا من المنافسة، بل التحدي الأكبر مازال هو تكبير وتوسيع حجم السوق، ونشر ثقافة الاستماع إلى الكتب واعتباره نشاط يومي منتشر.
“عدد مستمعي الكتب الصوتية والبودكاست في العالم العربي في ازدياد مضطرد، والجمهور في تضاعف مستمر في الأعوام الماضية، ونتمنى خلال ١٠ سنوات أن تنتشر تلك الثقافة، ونصبح الشركة الأولى حول العالم في نشر الكتب الصوتية العربية”.
اذا كنت ترى شيءً غير صحيح او ترغب بالمساهمه في هذا الموضوع، قم بمراجعه قسم السياسة التحريرية.